ملحوظة هذا النص ليس نصاً علمياً ولا بحثياً. نصٌ مكتوب بلغة اليقين التي يتكلم بها عادة من ينتمي إلى جيلي – جيل السبعنيات- غير مبني إلا على حدس شخصي، وهو موجه فقط إلى السوريين والسوريات من مواليد، 1-1-1970 حتى 31-12-1979
إذا كنت لا تنتمي إلى هذه الحقبة فهذه المادة غير موجهة إليك.
جيل السبعينيات،
اكتئابيون من الطراز السوري، يعني ولا فرويد يمكن أن يحللهم ولا يونغ أن يفهمهم ولا بوذا بسعة صدره أن يحتملهم.
لم ينتجوا أحفاداً حتى الآن. وعلاقتهم مع أبنائهم جامحة، علاقتهم مع أزواجهم وزوجاتهم الأكثر التباسا إنهم الجيل الأكثر طلاقا في تاريخ سوريا.
ولدوا مع التصحيح ولذلك لا يفقهوا من حرب تشرين التحريرية سوى إن القنطيرة تدمرت والجولان لم يعد، مع بداية الاحتلال المخابراتي للبلد ومجيء كامب ديفيد وثورة إيران، وظهور الإسلام السياسي العنيف، وسط الحرب الباردة، وتوهان في اليسار الهجين والهروب من الأحزاب والرغبة بقتل الأب والقلق العاطفي العميق والطوَفان في عالم الأرتياب والفشل الدائم بالحب أصبحو الجيل الكاهل. الذي يحمل على كاهله الصليب وصخرة سيزيف وخمسين فكرة مؤجلة. إنهم الجيل الضائع بين جيل الستينيات جيل الغزارة الأدبية والتنظيرية والحركات التحررية في العالم والتصورات الساذجة وجيل الثمانينيات من خُلق لينخرط دون التباس في تفاصيل العالم. غير عابئ بإرث الموت ولا إرث الحياة الضائعة الهوية.
جيل السبعنيات،
جيل الخيانات الباهرة والتبريرات الفجة، جيل النكوص الحاد والهوس بالتفاصيل، جيل داهمه التطور على آخر نفس، فعاد ليتعلم البديهيات بعد أن اجتاز الثمانية عشر!
جيل الألم الصرف والعجز المتناهي في الكبر. ورثة الهم من الآباء الذين سلموا البلد والتلد والولد لحافظ الأسد.
جيل ورثة أكبر كم من الخسائر والنكسات والهزائم والأوهام ممن سبقوه.
جيل سفلتت على طفولته دروب الهروب، وتعنكبت حياته في الزوايا، وأصبح لكل واحد من أبنائه زاويته التي يذهب إليها طائعا ليمارس عادته الأثيرة بالمكوث فيها.
جيل همى عليه الهم السادر، بُنيَ فوق رأسه صرح القائد، وانهارت صور حُماته.وأصبح مثله الاعلى نفسه على الأغلب.
إنه الجيل الأكثر رعبا في سوريا، تراهم إما بمنتهى الشجاعة أو بمنتهى الجبن. تكلل أهلهم بالصمت فابتلعوا ألسنتهم وراقبوا كيف يتم التخريب المنظم للعقل والمخيلة والطبيعة وكيف تتأكل الحياة بفعل الجذام السوري المرض الي أعاد القائد له وههجه.
جيل السبعينيات السوري،
تعلم الحكمة من سيلفر القرصان، والحزن من ريمي وفيتالس، وحرية المرأة من الليدي أوسكار والفتى ياقوت، والمخيلة الرومانسية من كاسندرا وماريا مرسيدس، والشقاوة من توم سوير، والأغاني من منظمة طلائع البعث. ولم يبخل عليه أحد بالقسوة في البيت والمدرسة فما كان يفوته الآباء يكمله الطاقم التعليمي وتكفل برنامج حكم العدالة بشحن مخيلته الإجرامية.
جيل السبعينيات (الجيل الفصيح)، الجيل الذي عربوا له كل شيء فأعجمت على لسانه باقي اللغات، والمثقف منهم قاريء مئة كتاب، نفس المئة كتاب، لذلك تراهم يلهجون باللغة نفسها والاستنتاج نفسه، وطريقة التفكير ذاتها.
إنه جيل التلفزيون والناس، وأم عمار وجمال الجيش، عدنان بوظو وعلاء الدين الأيوبي عقوبات تلقوها بصبر أيوب، برنامج أرضنا الخضراء جعل الحياة يابسة في أعينهم.
جيل السبعينيات طفولته مختلفة فعلا، ترى آثارها عليه اليوم وهو قد ” قلّط الثلاثين ” ودخل الأربعين. ومازال يندهش من مرأى سيارة الاطفال التي يتحكم بها عن قرب، ويتلبك كلما صعد على الدرج المتحرك، ويبقى يكبس على “الأسنسير” أكثر من كبسة وكأنه كلما أطال الكبس نزل أسرع.
السبعينيات السوري،
الجيل الأكثر ضياعاً عاطفياً وفكرياً ولكنه الأكثر ائتلافا مع نفسه وألمه.
من هنا سأدعو جيل السبعينيات ليكونوا صفا واحداً ضد ما قبله من أفكار أجيال مهزومة ومغرورة وما بعده من أجيال مأزومة وموهومة، والانتباه لمن بعد بعده وتعلم الإصغاء والتواضع. من جيل التسعينيات تحديدا.
سأدعو جيل السبعينيات الذي بدأ أوله يدخل الأربعين، وآخره “يبرعط” بالثلاثين، يتطهر بماء الثورة، ويثور على كل ما علق به من كوارث أخلاقية ونفسية، ومركبات نقص، ومرتكبات جعلت منه الجيل الأكثر الكارثية في تاريخ سوريا الحديث والمعاصر. والاكثر شفافية وقابلا للعطب اسرع من غيره بكثير.
إلى جيل السبعنيات هذا المساء رجاء توقفوا عن سماع الأبراج فلا شي سيتغير.