في العام 1957 ستعلن الإذاعة السوريّة عن حاجتها لمردّدين صوتيّين في جوقتها الموسيقيّة، لجنة الفحص والقبول تتألّف من يحيى السعودي ورياض البندك، بين المتقدّمين الأوائل شاب أسمر ذو بنية جسديّة ضخمة غنّى لفريد الأطرش ومحمد عبد الوهّاب، لم يعجبهم أداءه وقوبل بالرّفض.
في دورة العام الّذي يليه عاد هذا الشّاب لتكرار التّجربة، لكنّه فضّل هذه المرّة اختيار أغنية من تراث منطقته تساعده على إظهار قدراته الصّوتية بشكل أكبر، وهو ما حدث حالما باشر مطلعها، علائم الإعجاب على وجهي عضوي اللجنة، قبول مباشر، الأغنية اسمها ضرب السيف، من تراث السويداء السورية، الشاب اسمه فهد بلان، سيصبح لاحقًا عضوًا في جوقة الإذاعة السورية التي كان في قيادتها عبد الفتاح سكر.
هنا أغنية “هيّن ضرب السيف” بأداء خليل الموراني:
حمّود بلان، الأب، أنجب خمسة أبناء في قرية الكفر في السويداء، واحد منهم هو فهد المولود في آذار 1933.
إلى جانب عمل حمود كدركيٍّ آنذاك والقصص المتناقلة عن شهامته، كان اسمه شائعًا أيضًا كعازفٍ جيّد على الربابة مع تقديمه بعض أغاني منطقته بصوته الجبليّ.
حمود يمتلك حقلًا زراعيًا صغيرًا يساعده فيه أولاده بما فيهم فهد، ثم سيتركهم فهد لأجل العمل كحمّال في كراج رحلات المدينة، ثمّ كمساعد سائق “جابي” باص رحلات بين دمشق والسويداء، كما لن يمانع الغناء في السهرات الصغيرة بين الأصدقاء وحفلات الأعراس والخطوبة المحيطة سواء تلقى أجرًا أو لا.
احتفاءً بالوحدة بين سوريا ومصر، قدّم فهد أغنية حملت اسم “يا بطل الأحرار” من تلحين سهيل عرفة، وكان أن حظت الأغنية على بعض الشعبيّة آنذاك ليليها بأغنية “مشغول بحبك” التي لحنها راشد الشيخ ثم أغنية “لعينيك يا حرية” تلحين عبد الفتاح سكر، لكنّ ما جعله حقًا يصنع أولى خطواته داخل وخارج سوريا هي أغنية “آه يا قليبي” من ألحان شاكر بريخان مع المطربة الناشئة سحر عام 1960.
هنا أغنية “آه يا قليبي” بأداء فهد وسحر.
عبد الفتاح سكر قائد جوقة الإذاعة سيزداد إعجابًا بالوافد الأسمر الجديد يومًا بعد يوم، ثمّ وسط أجواء كبار أساتذة الغناء والمقامات والقدود ستصدح أغنيات: لركب حدك يالموتور، ألفين سلام، تحت التفاحة، جسّ الطبيب، واشرح لها، يا سالمة، يا بنات المكلا، يا حمام الدوح، والعديد غيرها.
هنا أغنية لركب حدّك يالموتور:
نجيب حنكش سيجري مقابلة مع المطرب الصاعد فهد عام 1963 وسيطلق عليه لقب “مطرب الرّجولة” والذي سيصاحبه حتّى آخر يوم في حياته. بذات الوقت، يلتقي فهد ومحمد عبد الوهّاب، والّذي يطلب منه أن يغنّي أشياء أخرى غير الطقاطيق، فتظهر أغنية يا ساحر العينين.
سيسافر بعد ذلك فهد متنقلًا بين الأردن ومصر، عديد من الأغنيات مع ملحنين آخرين جعلت منه شهيرًا في معظم البلاد التي ينطق سكانها العربية، كما ساهم ما سميّ تطابق تخيّل شكله مع صوته بأن شارك بأدوار رئيسيّة وأدوار بطولة في أكثر من /14/ فيلم سينمائيّ خلال سبع سنوات تقريبًا مع العديد من كبار نجوم السينما آنذاك، بعد ذلك سيختار العودة من مصر إلى سوريا أثناء ما سميّ حربًا مع إسرائيل عام 1973، لتبدأ مرحلة أغانيه الوطنيّة الكثيرة والّتي تكفلت إذاعة دمشق ببثها يوميًّا.
المرحلة الّتي تليها كانت في السويداء حيث اشترى أرضًا وبيتًا هناك كما ساهم في تأسيس فرع لنقابة الفنانين في المنطقة الجنوبيّة من سوريا، كما التقى بالملحن سعدو الذيب وتعاونا على العديد من الأغاني لعلّ أشهرها أغنية يومًا على يوم.
عبد الرحمن الأبنودي الشاعر المصري وصف دخول فهد لمصر بدخول الفاتحين، أم كلثوم أعجبت بقوة وجمال صوته، وغيرهم العديد من مشاهير ذاك الوقت.
سيموت فهد إثر جلطة دماغية عام 1997 وسط حزن عام وتوصيف جماعيّ عن الشاب الأسمر القوي الّذي اقتحم رتابة تجّار الموسيقا بين بيروت والقاهرة وحلب، ظاهرة لن تتكرّر كما قال سميح القاسم عنه.
أغنية “ما أقدرش على كده” التي قدمها له فريد الأطرش:
بأكثر من ألف أغنية رحل فهد بلان حاملًا ألحان ملحم بركات وفيلمون وهبة وبليغ حمدي وخالد الأمير وسيد مكاوي وغيرهم، لكنّ هذا وحده لم يكن كافيًا ليبقى في الذاكرة، حياته العاطفيّة المثيرة وقصص حبه وزواجه وغراميّاته أيضًا حظيت بالكثير من الاهتمام الإعلاميّ والشّعبيّ كما نتج عنها العديد من الإشاعات، ولعلّ أكثر ما تمّ تناقله عن هذا هو علاقته مع الممثلة المصرية مريم فخر الدين.
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.