“بيننا اليوم، في دمشق، الأخ كامل أمين ثابت، المغترب الشاب الذي هاجر من بلاده يافعًا، وعاد إليها رجلًا يملأ قلبه حبّ الأرض التي ابتسم فيها لأول دفقة نور، عاد إليها، ليعيش بين ظهرانيها، في ظلال الحريّة والعزّة القوميّة، عادَ إلى دمشق، مدينة العزّ، وقلب العروبة”.
بهذه المقدّمة رحّب جورج سيف المُضيف في إذاعة دمشق بضيفه كامل أمين ثابت، أو كما تبيّن لاحقًا: إيلي كوهين.
تاريخ الحوار 2/11/1962:
الياهو بن شاؤول كوهين، 26/12/1924 – 18/5/1965 المعروف إعلاميًّا بإيلي كوهين، بالعبريّة: אלי כהן، مولود في الإسكندرية الّتي هاجر إليها أهله من يهود حلب السوريّة في ذات عام مولده 1924، عمل جاسوسًا لصالح اسرائيل في سوريا تحت اسم كامل أمين ثابت وفيها أُعدِم.
1944، في الإسكندرية سينضمّ كوهين إلى منظّمة الشّباب اليهودي الصّهيوني مدفوعًا بحماسه للحركة الصّهيونية.
1948، سيعمل على نشر دعوات تطالب بهجرة يهود مصر والمنطقة إلى فلسطين.
1949، يهاجر والده وثلاثة من أشقائه ليبقى هو في الإسكندرية لأجل العمل تحت إمرة جاسوس صهيوني خبير بإنشاء المجموعات الإستخباراتيّة السريّة اسمه أبراهام دار – אברהם דר والذّي عمل باسم جون دارلينغ – John Darling.
1954، ألقت المخابرات المصريّة القبض على معظم أفراد مجموعة أبراهام، تمّ تسمية القضيّة لافون – לבון(1)نسبة إلى وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك بنحاس لافون. للمزيد: ويكيبيديا، أنكر كوهين كلّ التّهم وتمّت تبرءته.
1955، خرج من مصر إلى فلسطين ليلتحق بالوحدة 131 في جهاز تابع للمخابرات الإسرائيليّة ضمن برنامج اسمه أمان-בטיחות، والّذي تطلّب منه العودة والعمل في مصر، ثمّ ومع بدء حرب سيناء/أكتوبر اعتقلته المخابرات المصريّة مجدّدًا سنة 1956.
1957 أُفرِج عنه وعاد إلى فلسطين، عمل محاسبًا ومترجمًا خارج العمل المخابراتيّ. طُرِدَ من عمله فالتحق بفريق ترجمة تابع لجهاز الموساد.
1959، تزوّج من عراقيّة يهوديّة اسمها ناديا مجلد، أثناء فترة حملها الأوّل عاد برنامج أمان للالتفات لكوهين، وقرّروا إعادته إلى مصر، ثمّ عدَلوا عن القرار؛ يجب أن يذهب إلى دمشق.
هنا تظهر ناديا مع ابنتها صوفي في تسجيل بثّته قناة العربيّة سنة 2015 بعد أكثر من أربعين عامًا من إعدام كوهين، وفيه إشارة إلى رسالة كانت قد أرسلَتها إلى بشّار الأسد تطالب فيها استعادة رفات زوجها، وتقول أنّها تلقّت ردًا بالموافقة في حال سارت عملية السلام بين سوريا وإسرائيل:
إلى جانب العبريّة، هو يجيد العربيّة بلهجة الإسكندريّة المصريّة فلم يكن هناك صعوبة في تعليمه العربيّة السوريّة بلهجة أهل دمشق، ثمّ سيتمّ تدريبه على استعمال أجهزة الإرسال والاستقبال والأحبار السريّة وبعض أنواع الأسلحة الخفيفة وما إلى ذلك من مستلزمات استخباراتيّة، كما تحميله جميع المعلومات عن الجغرافيا السوريّة وأصول اللهجات وأبرز القادة والكتّاب والسياسيّين والفنانين إلى آخره، كما معلومات مستفيضة عن الدّين الإسلاميّ، ثمّ، يبقى تلفيق القصّة السّهلة: كامل أمين ثابت، سوريّ مُسلِم من دمشق، هاجر مع أبويه صغيرًا إلى الإسكندريّة ثمّ سافر عمّه إلى الأرجنتين سنة 1946 فلحق كامل وعائلته به سنة 1947. مات أبويه 1952 فبقي وحيدًا يعمل كتاجر أقمشة في بيونس آيريس.
يصل كوهين إلى الأرجنتين مع تسهيلات معدّة سلفًا من قِبل جهاز الموساد، يتعلّم الإسبانيّة، يعمل في شركة نقل لمدّة عام تقريبًا، ثمّ تبدأ شهرته كرجل أعمالٍ سوريّ غير مشكوك في هويّته شديد الحماس لقوميّته ووطنه، ثمّ سيصير لاحقًا ضيفًا دائمًا شهيرًا على معظم احتفالات وأمسيات وتجمّعات العرب عمومًا والسوريين خصوصًا هناك.
كوهين يبدأ بإظهار حنينه وشوقه للوطن، يتعاطف الجميع، يفتعل لشركته السياحيّة المختصة بالنقل رحلة عمل صوب الشّرق، عبد اللطيف الخشن رئيس تحرير جريدة العالم العربي آنذاك في الأرجنتين يوصي أصدقاءه به ويرسل لهم رسائلًا عدّة مطالبًا إيّاهم بِحسن ضيافة ومعاملة صديقه القريب الجديد، سيلتقي بابنه كمال لاحقًا ويحمل له توصيات وأشواق والده، يسافر كوهين 8/1/1962 إلى إيطاليا بصفة عميل لحلف الناتو لأجل أن يلتقي بعميل مخابرات أميركية سوريّ الجنسيّة اسمه ماجد شيخ الأرض والذي يضمن نقل الأجهزة اللاسلكيّة من جنوة في إيطاليا إلى بيروت عبر البحر، 10/1/1962 يتصل ماجد بصديق له موظف في الأمن العام على معبر جديدة يابوس اسمه نصر الدين وانلي، ثمّ تصير سيارة الأوپل المحمّلة بالأجهزة في قلب دمشق.
هنا فيلم أميركيّ باللغة الإنگليزيّة عن حياة كوهين منتَج عام 1987. ملاحظة: رابط الڨيديو يحمل عنوان: (إيلي كوهين، الجاسوس الإسرائيلي في دمشق – אלי כהן – המרגל הישראלי בדמשק)، لكن عنوان الفيلم الأساسي هو ما أطلقته بروبوغاندا جهاز الموساد عليه؛ “الجاسوس المستحيل – המרגל הבלתי אפשרי“:
أوّل مهمّات كوهين، غير المهمّات العامّة المتعلّقة بنقل أيّة تحركّات عسكرية وأيّة معلومات سياسية واقتصادية واجتماعيّة مهما كانت صغيرة، كانت محاولة معرفة مكان الألمانيّ ألويس برونر- Alois Brunner مجرم الحرب النّازي الناجي من الحرب العالميّة الثانية والمختبئ في سوريا، وهو من كان اليد اليمنى لأدولف آيخمان – Adolf Eichmann ضابط القوات الخاصة وأحد المسؤولين الكبار في الرايخ الثالث.
رغم تردّده على معظم أماكن السّهر والاجتماع الّتي كان يرتادها كبار المسؤولين والسياسيّين في دمشق، سيفشل كوهين لاحقًا في الالتقاء ببرونر والذي كان ينتقل بين دمشق والقاهرة لزوم صفقات السلاح التي يبرمها مع جبهة التحرير الجزائرية، وحتى محاولات لقائه بالكونت لويس دوسان – count louis de san السفير البلجيكي في دمشق آنذاك علّه يلتقي ببرونر من خلاله ستفشل، وهو الذي كان أيضًا يعمل في تجارة السلاح مع الجماعات المناوئة لكميل شمعون، ثمّ وبعد كشف أمره سيسكن قرية عرنة في جبل الشيخ.
استأجر كوهين بيتًا في أوّل شارع أبو رمّانة، نقل إلى إسرائيل معلومات فشل مهمّته لكنهم طلبوا منه البقاء وإكمال تأسيس علاقات جديدة وجمع ما يستطيع جمعه من معلومات، كمال الخشن عرّفه على الملازم معذى زهر الدين ابن أخت اللواء عبد الكريم زهر الدين قائد الجيش السوري آنذاك، والّذي سيصير رفيق سهراته ومسهّل تحركاته. جورج سيف المذيع العائد من الأرجنتين والمهتم بالمغتربين سيصير صديقه أيضًا ويجيبه على كلّ أسئلته، هيثم قطب صاحب منزله وموظّف البنك المركزيّ سيصير صديقه قريبًا ومُيسّرًا لكلّ طلباته في المنطقة، عمر الشيخ طالب الطب سيقضي معه بعض الوقت، هؤلاء وغيرهم العديد ممّن بدأ معهم كوهين بتأسيس شبكات التنقّل والعمل والموثوقيّة.
خلال شهرين فقط سيرسل كوهين أولى رسائله الاستخباراتيّة إلى برنامج أمان في حكومة إسرائيل، لن تنقطع الرسائل بعد ذلك لمدّة ثلاث سنوات بمعدّل رسالتين على الأقل في الأسبوع، شبكة علاقات واسعة مع مسؤولين حزبيين وضبّاط ومشتغلي سياسة كان يقوم بزيارتهم جميعًا في أمكنة عملهم، كما سيرسل دائمًا مع معلوماته الإستخباراتيّة قوائمًا بأسماء معارفه الجدد من ضبّاط وغيرهم وتحركاتهم.
1962، برفقة صحبه من الضّباط سيزور أحد أشدّ التحصينات الدّفاعيّة السوريّة في هضبة الجولان ويصوّرها بواسطة كاميرا صغيرة ثمّ يرسلها لاحقًا، مطابقتها مع الصور الأميركيّة الملتقطة جويًّا ستصنع الكثير لدى قادته.
1964، برنامج أمان يتمّ إشهاره ليصبح رسميًا جزءًا من الموساد، تغدق الأموال على كوهين، يزوّد قادته بكافة المعلومات التفصيليّة عن وضع الجيش السوريّ وتحركاته وصفقاته الجديدة مع روسيا وأنواع العربات المدرعة الموجودة على الحدود وتعداد الجند وأسماء الضبّاط وصفّ الضبّاط، ازدياد توزيعه للمال على الضبّاط الكبار وأعضاء حزب البعث كان كفيلًا بازدياد حجم العلاقات والمعلومات كما كان كفيلًا بترشيحهم له ولو بشكلٍ غير رسميّ على أن يصير وزيرًا أو رئيسًا للوزراء أو حتى زعيمًا بعثيًّا جديدًا.
هنا رابط لمقابلة قناة الجزيرة مع أمين الحافظ الرئيس السوريّ الأسبق، وفيها ينكر علاقات كوهين العديدة وينكر الكثير من الإشاعات عنه كما ينكر لقاءه به في الأرجنتين:
1965، السفارة الهندية في حيّ أبو رمانة في دمشق ستحتج لوزارة الخارجية السورية على وجود خلل في إرسال أجهزتها، العلاقات الهندية السورية الجيدة آنذاك دفعت رئيس مجلس الرئاسة أمين الحافظ إلى أن يكلّف رئيس شعبة المخابرات العسكرية العقيد أحمد السويداني بمتابعة الأمر، أجهزة الكشف السوريّة حدّدت مكان البث والتّشويش من المعهد الفرنسيّ القريب من بيت كوهين، تمّت مداهمة المعهد ولم يتمّ إيجاد أيّ شيء، مما وضع المخابرات السوريّة في وضع حرج أمام حكومة الفرنسيّ ديغول.
ملازم مجنّد يخدم في فرع الرّقابة كان قد درس هندسة الاتصالات في ألمانيا الغربيّة، سمع عن الموضوع وأخبر رئيسه المباشر الملازم محمد ناصيف عن وجود أجهزة ألمانيّة أكثر دقّة، ناصيف أخبر رئيس الفرع محمد بشير، يصل الخبر لأحمد السويداني رئيس شعبة المخابرات، والذي سيرسل الملازم المجنّد فورًا إلى ألمانيا الغربيّة لاستيراد الأجهزة والعودة.
تمّ تحديد المبنى الّذي يصدر منه التشويش دون تحديد الشّقة، الحل سيكون بأن تحمل دورية من الفرع معها الجهاز و أن تستأجر شقّة من شقق المبنى كي لا تثير الشّكوك، في كل يوم سيقوم عنصر بفصل الكهرباء عن منزل واحد مع مراقبة حركة الإشارة والتشويش.
تمّ تحديد البيت، لكنّه منزل الأستاذ كامل أمين ثابت! إذن ستتم مداهمة البيت عن طريق سويداني شخصيًا. لم يجدوا شيئًا، الاستاذ كامل رفع يديه وأنكر، تعثّر عنصر بستارة النّافذة وسقط من خلفها جهاز إرسال احتياطيّ.
18/5/1965، إيلي كوهين مشنوقًا صباحًا في ساحة المرجة وسط دمشق.
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.