الصفحة الرئيسية / نصوص / رأي / ليرة سورية في وول ستريت – نائل حريري

ليرة سورية في وول ستريت – نائل حريري

نائل حريري
بين “الستريت” السوري و”وول” الفيسبوك
في الأيام الأخيرة استبشرت أصوات معارضة بهروب رؤوس الأموال السورية من البنوك وتحوّلها إلى العملة الصعبة ودعت السوريين إلى سحب أموالهم كلها من البنوك (بالمقابل دعا “الجيش السوري الاقتصادي” بقيادة رامي مخلوف إلى القيام بإجراءات لإنقاذ الليرة السورية).
لم يثر استغراب آلاف المعارضين و ملايين السوريين أن التنسيقيات والأفراد دعاة هذا التيار هم من غير المشتغلين بالسياسة ولا بالاقتصاد، ولم يثر تساؤلهم أن وجوه المعارضة المعروفين ممن دعموا الفكرة هم من غير المختصين (تابعت فقط تصريح سهير الأتاسي)، وأن المختصين (عارف دليلة على رأسهم كأستاذ في الاقتصاد) تجاهلوا المسألة تماماً وكأنهم يخافون أن يثيروا شقاقاً افتراضياً في صفوف المعارضة أو كأن هذا الموضوع موضوع جانبي لا يعنيهم.
إذاً أجد نفسي مضطراً (رغم أنني غير قارئ غير مختص) للإدلاء برأي انصرف المختصون عن تقديمه
غريشام أولاً
عادةً ما تكون الإيرادات الأساسية للدولة بالعملة الصعبة (عائدات النفط والمعابر الحدودية والغاز الطبيعي وسياحة) وعادةً ما يتم بالمقابل صرف المستحقات من الدولة بالعملة السورية.
حين تسيطر على السوق عملتان تتبادلان الأدوار لا بد من تذكر قانون غريشام الأساسي: “المال الضعيف يقصي المال القوي من السوق”. هنا وفي هذه الحالة يصبح الدولار عملةً قوية يعمد الجميع إلى الاحتفاظ بها وشرائها أو تخزينها دافعاً بالعملة السورية إلى السوق مما سيخفي الدولار من الأسواق. هكذا يرتفع سعر الدولار وترتفع معها عائدات الدولة فعلياً عند تحويلها إلى مصروفات: تكسب الدولة من عائدات النفط يومياً حوالي مليون دولار مثلاً، وحين تدرجها ضمن مصروفاتها تتحول من 45 مليون ليرة سورية إلى 54 مليون ليرة سورية بقدرة قادر!!! هكذا تكسب الدولة الجولة الأولى.
غريشام يخسر
الجولة الثانية تبدأ بإطلاق الاحتياطي النقدي في السوق السورية أو حتى طباعة نقود جديدة في الأسواق من قبل البنك المركزي. تتمكن الدولة بهذه الطريقة من دفع جميع الرواتب والمستحقات (وجميع زيادات الرواتب وتخفيض المازوت وزيادات افتراضية أخرى قادمة في الطريق) بأموال وهمية. إن طباعة مليار ليرة سورية إضافية فوق المليار الموجود حالياً (مثلاً) دون زيادة مقابلة في الناتج المحلي ستجعل من قيمة المليارين ملياراً واحداً وتنزل بقيمة الليرة السورية إلى النصف (في ضوء نفس المثال) من حيث المبدأ
هنا ينعكس قانون غريشام، وقد قام “روبرت ماندل” (الحائز على جائزة نوبل) بتحذيرنا بأن هذا القانون قد ينعكس تماماً إذا لم تقم الدولة بفرض قانوني يضمن التعادل بين العملتين: “المال الضعيف يقصي المال القوي من السوق إذا تم تبادلهما بنفس السعر”. والدولة هنا لن تفرض توازناً في التبادل بين العملتين لأنها فعلياً ستحوّل المال الضعيف إلى عملة بلا قيمة، وحين تصبح بلا قيمة يصبح طلب السوق منصباً على أي عملة ما عدا هذه العملة الضعيفة، أي بدلاً من الليرة السورية معدومة القيمة سنلجأ إلى الدولار أو اليورو أو الين حتى. في التضخم الذي حصل في زيمبابوي 2009 قام المزارعون باحتكار وتخزين الأطعمة والاستعاضة بها لتصبح هي العملة المتداولة. ولكن قبل أن يحدث هذا الأمر عليكم أن تعرفوا ما الذي يجري في الكواليس.
نسّوك… هبلوك… سطلوك (*)
يقوم الجيش السوري الاقتصادي بخطة لدعم الليرة السورية الهدف منها المزيد من تعويم العملة ورفع قيمة الدولار. فقد اجتمع رامي مخلوف مع جيشه الاقتصادي ليعلن: (اشتروا الليرة السورية وبيعوا الدولار فهو قادم على انهيار والليرة إلى ارتفاع!) ويبطن هذا التصريح بأجواء إنقاذ البلاد والاقتصاد السوري وبتخوين لمن لا يساهم في هذا الاتجاه.
هكذا يتم “تشليح” الصناعيين والاقتصاديين كل ما لديهم من دولارات مستخدماً ضغوطات سياسية مبطنة مع ضغط السوق الاقتصادي المعلن. فيقوم صغار المستثمرين والأغرار من الاقتصاديين ببيع دولاراتهم وشراء الليرة السورية التي تطفو الآن بسعر وهمي. يعتقد بعضهم بأنه تخلى عن الدولار الذي اشتراه ب46 ليرة وباعه ب 53 ليرة دون أن ينتبه أنه باعها بسعر ليرة افتراضي. بينما يستعيد الجيش السوري الاقتصادي الأموال التي صودرت منه في عدة بلدان من العالم ويترك للشعب الليرة السورية لتطفو كما تشاء. فجأة يهرب الدولار من الأسواق في الوقت الذي يزداد فيه التضخم المالي وتنهار الليرة السورية نتيجة الفائض غير المتوازن إلى أدنى مستوياتها والحاجة إلى شراء الدولار بأي ثمن، وهنا يمكن أن تتوقعوا السعر الجديد للدولار بالمئات أو بالآلاف (كما انهار الدينار العراقي حوالي خمسة آلاف مرة في عهد صدام حسين).
ملاحظة أخيرة
وددت أن أنشر هذه الملاحظة رداً على انشغال بعض المختصين عن مواضيع هامة وحساسة لأجل مناورات سياسية أهم برأيهم. أتمنى أن يكون رأيي هذا (على تواضعه وعدم خبرته) محرضاً للبعض كي يترجلوا من عليائهم ويتناولوا هموم الشارع السوري التي هم أهلها بآراء أفضل وأكمل من رأيي البسيط
(*) عن زياد الرحباني: العقل زينة

عن دحنون

دحنون
منصة تشاركية تعنى بالكتابة والفنون البصرية والناس.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.