في واحدٍ من أيام الاثنين تركت الثقب كاملأ لنسيم كي يراقب الإعدامات ، التصق بالثقب ولم يعد يتكلم أو يتحرك ، كان نسيم يكرر كلمة “العمش” كثيرا في احاديثه .
بعد ساعتتن من التصاقه بالثقب ، قفز الى الوراء واقفاً .. نظر اليّ وقال :
– العمش .. العمش ..
نظر الى أبو حسين : العم..اا..ش
نظر الى المجموع : العمش .. العمش ..
ثم وبصوت خافت بعد أن اقترب مني :
– العمش .. ولك شو هاد ؟! ولك … شلون كنت عم تتحمل هيك مناظر ؟!.. العمش ولك شوف … شوف !… شو هذا يللي عم يصير؟!
نظرت عبر الثقب ، كانت ثماني جثث متدلية عن الحبال ، والعديد من الجثث على الأرض ، هذه الجثث الثمان يبو انها آخر وجبة ، الوحش “عنصر البلديات” يقف أمام الجثة الثانية من اليسار وهي جثة رجل بدين ، يمسك الوحش بيده عصا غليظة ينهال بها ضربا على الجثة ، الشرطة يراقبونه ضاحكين ، ومع كل ضربة عصا على الجثة يصرخ بصوت عال :
– عاش الرئيس المفدى .. بالروح بالدم نفديك يا رئيس … ” وضربة بالعصا على الجثة ” … ولك يا كلب بتشتغل ضدد الرئيس .. وضربة بالعصا … لك يا منيك … رئيسنا أحسن رئيس … ضربة بالعصا … حيدو يا منايك حيدو .. ضربة بالعصا… الرئيس قبل الله نعبده … ضربة بالعصا … ويختل الايقاع .. ضربات عديدة بالعصا ” اتساءل: هل انتهت ذخيرة الوحش الكلامية التي كان قد حفظها لكثرة تردادها في الراديو والتلفزيون وفي الشوارع اثناء المسيرات التي تنظمها الدولة ؟! يبدو ان الامر كذلك لأن الوحش بدأ يلجأ الى ذخيرته الكلامية الشخصية ! الذخيرة الكلامية التي لمها من الشوارع ” .
يتوقف قليلا عن الضرب ، ثم ضربة قوية على الرأس اسمع من خلالها رنين العظام … ولك يا كلب … انتو فيكن عالرئيس ؟… ضربة عصا … ولك الرئيس أقوى واحد بالدنيا … ضربة … ولك الرئيس بدو ينيك امهاتكم … ضربة … ولك الرئيس عندو أطول اير بالدنيا كلها … ضربة … ولك بدو ينيكم وينيك اختكم واحد واحد … ضربة بالعصا … يتوقف الوحش قليلا وهو يلهث ، بعدها وبحركات هستيرية يضع احد طرفيّ العصا بين اليتي الجثة ويدفع بها الى الأمام ، تتحرك الجثة كلها الى الامام ، يستمر الوحش بالضغط ، الطرف الثاني للعصا بين يديه الاثنتين يركزه في موضع قضيبه ويبدأ بدفع العصا بين اليتي الجثة رهزا ، ومع كل هزة الى الامام … يصيح :
– بالروح بالدم .. نفديك يارئيس .
تبقى العصا بين الاليتين ، الجثة دائمة التأرجح ، الشرطة يضحكون … يتقدم الرقيب ” الأعوج ” وهو يقهقه ، يمسك الجثة من الأمام ويثبتها جيدا للوحش ، الوحش يتابع ضغط العصى بين الاليتين ويهتف :
– بالروح … بالدم .. نفديك يارئيس .
الأعوج يضغط من الأمام ، الوحش يضغط بالعصا من الخلف ، وفي لحظة يفلت رأس الجثة من الحبل “يبو المشهد من بعيد وكأن الجثة حركت رأسها بحركة بارعة لتتخلص من الحبل” ، تسقط الجثة على وجهها أرضا ، تفلت العصا من يد الوحش وتظل مغروزة منتصبة بين اليتي الجثة ، يقفز الوحش عالياً ويصيح بشعار طالما سمعه يردد كثيرا في الراديوا و التلفزيون :
– يسقط الاستعمار … تسقط الامبريالية .
يرد عليه الرقيب الأعوج :
– تسقط … تسقط .. تسقط .
– يعيش الرئيس المفدى .
– يعيش … يعيش … يعيش .
وتبقى العصا مغروزة بين اليتي الجثة تتأرجح .
– الى الأبد … الى الأبد … يعيش الرئيس .
– يعيش … يعيش … يعيش .
ومع كل كلمة “يعيش” تتأرجح العصا ذات اليمين وذات اليسار .
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.