الصفحة الرئيسية / نصوص / زهرة عباد الشمس – قصة حقيقية!

زهرة عباد الشمس – قصة حقيقية!

أنجل الشاعر  
خاص بدحنون

 

ينتقص عمرها لبضع سنوات كي تكتمل دورة البحث عن التجدد فوق رصيف هارب من تحت قدميها الصغيرتين. ينتقص شعرها لتسريح يومي كي يكتنل سطوع الذكاء من بين خصلاته المشعثة. تنتقص بشرتها السمراء للإغتسال بماء الحياة الذي كان سببا في شقائها كي تظهر ما على محياها ملامح الوطن الذي لفظها في لحظة انتشاء محتليه. ينتقص جسدها الصغير الى قطعة صغرة تخفي وراءها براءة الطفولة. ذهبت الى غير رجعة تحت لهاث ثلاثة من الرجال الحاقدين. يتسابقون على أول قطفة من موسم الربيع. وأول قطرة من خضاب الورد.

كان الضجيج يملأ المدينة. وكانت تقفز بين السيارات كظبية هاربة من صياد محترف. ثيابها الصفراء تعج برائحة ألم غير مرئي. وخلخالها الأصفر يحاكي ساقيها بتقنية شاب يتأهب للعشق. ما سر انتقائها للون الأصفر يا ترى؟ قابلية كل لون اصفر للتجدد – هكذا قالت فرح – ألم يقول احدهم ان من الحياة موت ومن الموت تولد الحياة؟ كل ما تعرفه فرح أنه كان في حضور ماء الصنبور غياب لوجه الله.
فرح آخر العنقود التي تهاوت حباته قبل النضوج لوالدين منّت عليهما السماء بالتشرد مرة اخرى. من حيّ متحجر كقلوب البشر ومظلم كحياة فرح التي تحاول جاهدة ان تفتح تدرك النور من نافذة تفتحها خلف ابواب الحياة. لم تستطع مساعدة اهلها في التأهب للرحيل قبل ان تشبع ذاكرتها بمداعبة صنبور الماء الذي كان رفيقها على هامش الفرح. لو أن برودة مائه ستخترق عظامها الهشة، لكن دفء طفولتها المسروقة هناك هو حصنها المنيع.

خُلِع الباب – قالت فرح – واُشهرت البنادق، وكُبل والدي. وأخذت الشهوة ترسم طريقها رؤوسهم مع قطرات الماء المنسابة من شعري وثيابي الصفراء التي ارتديها الآن آخذة الصعود الى الأسفل لتستقر داخل سراويلهم الفضفاضة المموهة بكثير من القوة والبطش.
داروا حولي مقهقهين فرحين بصيدهم الثمين. رموني غير مبالين بصرخة الطفولة ولا بدموع الرفيق. غبت وغاب وجه الله. صرت متاعا آخر عليهم حمله والتنقل به / هكذا قالت لي امي / صرت فقط قطعتي قماش مبلولتين بالماء والدم. وصلوا الى مكانهم المنشود بعد عناء في قطع طريق تكلل بكتم الأفاه والحسرة .. وعلى حواجز التفتيش، انا ضحية الرهاب. ووصل معهم جسدي …
في اليوم التالي احسست بشيء ساخن يلفح خدي. حرارته تخترق ما تبقى من القلب. فتحت عينيّ! – كانت دموع امي -. صحوت وبقي الله غائبا ..

لاتكتبي يا سيدتي فليس هناك من يقرأ وان وجد سيتعاطف وحسب. لن يصل وجع جسدي الممزق الى أجسادهم . ولا خراب روحي الى ارواحهم. ولن يرتدوا يوما ثيابي الصفراء. هم لا يعلمون بأن أطفال سوريا يولدون كبارا. وان اطفال سوريا ليس لديهم العم منصور صانع بيوت الألعاب. مع أننا غنينا له من دون ان نرى ساكني تلك البيوت.

من فعل بي ما فعل ليس بمذنب فالمذنب الوحيد هو الله الذي بالغ في حشد رسله منذ آلاف السنين . فلولا الجد لم يكن الحفيد. ولم أكن أنا وبين فخذي فوهة تتسع لعدد سنوات عمري من اعضاء الرجال. عمري الذي لم يتجاوز اثنى عشرة قذيفة ومدفعين وعشر رصاصات. هم لا يعلمون اين تكمن الرجولة؟ وكيف تكون؟. يضربون باسم غائبهم وسيفه ويغتصبون باسم الله.
سابقى اطارد الشمس – قالت فرح – وعليها ان تراني ولن اخلع تلك الثياب الصفراء قبل ينضج ربيع البلاد. ستجعلني الشمس يوما زهرتها. واطلق على نفسي اسم جديد.
زهرة عباد الشمس

عن دحنون

دحنون
منصة تشاركية تعنى بالكتابة والفنون البصرية والناس.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.