السؤال المقيت الذي طُرح علينا جميعًا في صغرنا، السؤال الذي يختفي عندما نكبر، أتذكر عندما كنت صغيرًا كان أصدقاء والدي وأصدقاء أعمامي وأصدقاء وصديقات جدي يسألونني بشكل دائم، بدون كلل وعند كل لقاء: ماذا ستصبح عندما تكبر؟.
كانت إجاباتي مختلفة وتنوعت كثيرًا ومتحولة حسب السائل ونبرته في السؤال، فمرات كنت أجيب على السؤال أنني سأصبح زبالًا فيقع السامع على ظهره ضاحكًا كصرصور يحاول النجاة من الموت رقودًا ، وأحيانًا كنت أقول لهم: سأصبح بائع مازوت، لم أكن أعلم يومًا أنها مهنة ستكون من المهن الهامة لهذا البلد .
أصغر عمٍ لي سألني مرة أمام أصدقائه، وهو بانتظار إجابة مضحكة كالعادة من طفل صغير، ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟ أجبته: سأصبح متزوجًا! فانفجروا جميعًا بالضحك، وقال لي في غمرة ضحكه: طالع زبك فرجيه للشباب. الحقيقة أني كنت أخرجه وأدور عليهم واحدًا واحدًا ليشاهدوا المعجزة التي ظننت أنني الوحيد الذي يمتلكها .
عندما كبرت، أصبحت أتسول هذا السؤال تسولًا، لا أحد في هذا الكوكب يسألك ماذا تريد أن تصبح بعد أن تكبر، الجميع يظن أنه أصبح كبيرًا وأنه لا حاجة لأن يفعل شيئًا أو يحلم بشيء، عليك فقط انتظار الموت، حتى في انتظار الموت أستطيع أن أجيب: أريد أن أموت ميتةً غير ما طُرح علينا في الأسواق الحالية.
اسألوني مثلاً كيف تريد أن تموت؟
هو حلم أيضًا، أم أنكم تظنون أن الموت لا يمتلك حلمًا؟
لدي كثير من الأحلام بطريقة موتي، اسألوني أرجوكم ماذا تريد أن تصبح بعد أن كبرت جربوا اسألوني هذا السؤال وستجدون أن هناك إجابات دائمًا.
سأقول لكم ماذا أريد أن أصبح وأنا كبير وأنتم ظلّوا في صمتكم وبنادقكم، أود أن أصبح الآن “يد” أجل يد واحدة حتى وإن لم تصفق لوحدها، إلا أنني أريد أن أكون يدًا.
أستطيع أن أفعل أشياء كثيرة وأنا يدٌ واحدة ، أستطيع أن أصافح كل أعدائي مثلًا، أن ألمس مؤخرات النساء، أن أربِّت على كتف لاجئ، أن أودع مهاجرًا، أن أمسح دمعة أم ثكلى، أن أحمل قتيلًا، أن ألكم وجه العالم، أن أوسوس كشيطانٍ لكل إخوتي من الأيدي أن تترك سبابة الزناد وتهرب إلى المصافحة والإمساك ببعضها. وأنا يدٌ واحدة أستطيع أن أستخدم الوسطى لكل موتور يحرّض السبابات على ضغط الزناد، سأشهر الوسطى في وجه الطغاة والقتلة.
لم لا تسألوني الآن عمّ أريد أن أصبحه، لدي الكثير من الأحلام بالموت، اسألوني أم أن معجزتي أغلقت أفواهكم؟
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.