كانت دير الزور تتقلب بين نداوة الفرات وموجات الغبار الخانقة..
وهكذا كانت الأيام تمضي بنا.. حتى انتبهنا فجأة في شوارع دير الزور، عشية استلام القاصر الوريث مقاليد الحكم في سوريا، إلى وجود حزم سميكة من الأسلاك تمتد لعدة كيلو مترات في المدينة.. أول الأمر لم نكترث كثيراً بما يصنعه أولئك العمال الغرباء الذين احتشدوا ببزّاتهم الصفراء في كلّ مكان، حتى وجدنا تلك الشباك العنكبوتية العملاقة وقد قطّعت أوصال المدينة، وافترشت مختلف الأحياء والشوارع، وكأن ثمة نيّة لنسف المدينة برمّتها.. وقد بدأ القلق يسري بين الناس، إثر شائعة تقول باعتزام السلطات إجراء تفجيرات محدودة لسبر المخزون النفظي في المحافظة.. وإنه لن تتضرر إلا البيوت القديمة والمتداعية بالأصل.. لم يستطع السكان نقل احتجاجاتهم لأحد، كتموا تخوّفهم ورفعوا أدعيتهم إلى السماء بانتظار ما سيحدث على الأرض.
لا أحد يعلم ما الذي حدث؟.. ولا أحد يعلم كيف اختفت تلك الحشرات في لحظة خاطفة بعد أن أرعدت السماء، واجتاحت المدينة سيول من المطر الغزير ظلّت تهمي على الأرض طيلة ستة أيام، جرفت معها كل هذا الدنس الأسود الذي هبّ علينا من باطن الأرض، وهاهو الأمر ذاته يحدث معنا مرة وأخرى، وعشية سقوط الوريث الهزيل، بعد أن قطع أوصال البلاد كلها، وأطلق جرذانه وشبيحته لتحتل المدن، والشوارع والأسطح، والنوافذ.
