أ |
لم أر في ادونيس ما يستحق كل هذا السخط. فهو أدونيس ولا يمكن أن يصبح فجأة برهان غليون كما يطالبه الكثيرون. وإذا كان السخط وليس ‘النقد”الموجه إليه لأنه يكشف ‘علويته’ فطيبة الوعي ‘العلوي’ ربما كان يحتاج هذه الرسالة أن يرسلها إلى “السيد الرئيس” قبل الحتمية السورية القادمة.
اليوم يطرح الإخوان مغازلة لهذا الوعي العلوي نفسه (بجمعة صالح العلي) إذا كان الأمر من هذا الجانب فهذه حقيقة لنسمها باسمها ونكف عن إنكارها وبما أن النظام سقط أخلاقيا وإعلاميا، وفي طريقه إلى السقوط سياسيا. ومن ثم حتمية انهياره بحكم المنطق ‘عاجلا أم آجلا.
ولكنه حتى هذه اللحظة، النظام شرعي وقائم. ولم تصدر عن كل القوى الإنسانية غير السورية سوى بضعة أصوات شحيحة بلا شرعيته.
من جانب آخر إذا كان التهجم ومقاله في السفير لم تكن نقدا أو حتى لم تقرأ جيدا الراهن بل قرأت الافتراضي أو الرغبة. بمعنى كان يتوجب على ادونيس أن ينكر الواقع وينتقل لنقد الأسرة الحاكمة وتصفيتها أخلاقيا و ثقافيا حتى يصبح له صفحة على الفيسبوك مثل صفحة أصالة نصري مبنية على معادلة أنه ‘لم يستخدم اللغة السائدة التي باتت ‘المعارضة’ تستعملها . لا يعني أبدا أنه لا يحق له القول ما يراه، وما يريده دون أن نكون جاهزين له، بالقطعية واتهامه بخيانته لمطالب شعبه، فوقيته الثقافية، وإنكاره لدم الشهداء.
وطبعا شخصيا أنا مستاء من كل ذلك. وكدت أبدأ بوضع عبارة الخذلان والسخط’ نفسها التي وضعها الكثير من أصدقائي’غير أني تذكرت كيف تمت محاكمة أدونيس ونحره سابقا، عبر سلسلة متواصلة من المواقف الإشكالية التي يفجرها، ابتداء بالترويج لدعمه للخميني، وانتهاء بنعي العروبة في كردستان، مرورا بإنكاره الرواية كفن صغير يحتقره، او سخط اللبنانيين الذين ظلوا طوال عقود يتبجحون بلبنانيته، حتى كتب عن بيروت بأنها مشهد وليست مدينة، فأصبح علويا ريفيا سورياً ناكرا للجميل.”
وأتذكر السخط اليساري عليه منذ سنوات حين طُلب منه ان يوقع على عريضة إطلاق سراح الشاعر فرج بيرقدار، فقال جملة جلبت له سخط الكثيرين وانا منهم حينها: ‘لا أعرف شاعرا اسمه فرج بيرقدار’ ورفض التوقيع.
لاحقا بعد إطلاق سراح المناضل فرج بيرقدار، اكتشفت أن أدونيس كان على حق. لماذا الوثيقة يتم توقيعها بصفة المعتقل فرج بيرقدار وليس بحقيقته كمناضل يساري سوري أممي دون الحاجة لإصباغ لقب الشعر عليه؟ وخاصة أن فرج بيرقدار لم يسجن لأنه شاعر.
واكتشفت أن هذا السلوك من أدونيس نوع من الصدق مع الذات وأيضا مرسلة ثقافية هامة وصريحة وتحسب له ‘وليس عليه.
فلا يجب الخلط في لحظة الحماسة الثورية بين قضايا تتموه بسجف بعضها ربما تشكل مرسلة مواربة. فالشعر يتراجع ويدان أصحابه في اللحظة الثورية إذا لم يتحول إلى حمّال دم وثورة. وكم عانى درويش من لقب شاعر الثورة واضطر لهدر الكثير من الشعر ليوصل فكرة بسيطة تقول الغناء للحب هو نفسه الغناء لفلسطين . ولكنها حقيقة ثابتة. تتغير الثورات، تفشل أو تنجح تُسرق أو تُنهب تموت أو تنتحر ولكن ‘الشعر يبقى.
في تخوف ادونيس غير المبرر من الجامع، في مقالته الأولى، امر آخر هام وهو’تخوف أدونيس من الجامع’ تخوفه من الإسلام السياسي كشخص علماني وديمقراطي مشروع ويشاطره به الكثيرون ممن لا يصرحون. فخلال الأسبوع الماضي كان لتسمية العشائر وقع جعل مخاوف معظمنا تنطلق تحفظا أو علانية، واليوم تثبت إدارة موقع الثورة أنها ليست بريئة باختيارها اسم جمعة إشكالية أخرى تهدر الطاقة وتثير الاختلاف على البديهيات. وتدعي إنها المحرك والمسيّر الأكبر والأكثر شرعية للقيادة. فإذا كان بداخل كل منا تساؤلات حول هذا. فأدونيس لديه أيضا ولكن بطريقته وأسلوبيته. ‘
دعونا نختلف مع ادونيس، قبلناه أم رفضناه، فهو شاعر كبير ‘حتما’ وإشكالي بامتياز ونحن في سورية بدأنا نتعرف على سوريتنا من جديد. على أنفسنا ومواقفنا نكتشف بواطن أرواحنا وثقافتنا. إننا نصحو معا. وننتظر قدوم فجر سوري يليق بنا، لأننا جميعا نعتقد بسورية التي تليق بنا. من هنا أكاد أجزم أن المادة القادمة لأدونيس ستكون مختلفة وحاسمة. ولا يمكن أن يصل لها’من دون هذه الرسالة فعبر أربع ‘مقالات تبدو هذه الرسالة مستفزة لأنه استخدم فيها عبارة ‘السيد الرئيس’، فهذه العبارة اليوم سقطت عند الكثيرين، وهو يعرف ذلك فأن تنعت أي أحد بالسيد أو بالمجرم لا يغير بكونه سيدا أو مجرما.
وأيضا جر عليه عصفا كبيرا باعتماده الدعوة لإصلاح البعث. فهذا الحزب البائس في سورية يتلقى دائما كل الرذائل وتهمل وتنسى أحزاب الجبهة التقدمية. وهو اليوم يمثل الملطشة للجميع. فقد تم تفريغه لصالح الجيش، ولاحقا تم تفريغ قيمة الجيش لصالح الامن. فالبعثيون وهم ستة ملايين سوري يرى بعضنا أن يكون.. ويشنقهم في ساحة المرجة. بالمناسبة في اللحظة الغضب والقهر أنا من هذه الـ ‘بعضنا’. أعتقد أن رسالة أدونيس هي للأدوات التي بيد سيده الرئيس. وهي واقعية بمفهوم خطاب النظام وليس بمفهوم خطاب ‘الآخر. المعارض والمعارضة يعني به نَفَساً عقلاني من النوع البارد الذي لا يتناغم مع حرارة المرحلة ومن هنا السخط على أدونيس.
ورغم كل ما دونته هنا كانطباع شخصي لم ترضني رسالته، ولكن السؤال هل يجب البحث دائما عما يرضيني’ويشبهني ؟ وماذا عمّـا لا يشبهني؟ أليس له الحق بالقول والخطاب؟ ما دام لا يقتلني ولا يسحقني ولا يتوعدني ولا يقصيني .. إذن إنها ثقافة الاختلاف التي بات علينا كسوريين’ومن في حكمهم أن نبدأ بالتدرب على استيعابها.. ما لا يتوافق معي ما دام سلميا مثلي لا يستحق أن أسقطه، أخوّنه، أنزع عنه الشرعية وأحيله دريئة لرفضي. ما يحصل اليوم أنه تدريب على ما هو آت برسم الجميع.
أدونيس طالب بإعادة الكلمة للشعب لم ينكر ذلك ولم يتحايل بل تكلم بلغة تخص المرسل فحتى أهالي الشهداء الذين زاروه خاطبوه بـ “السيد الرئيس” حين وجهوا الكلام اليه.
‘وهو يعرف تماما كما يعرف الكثيرون أنه في اللحظة التي تعود الشرعية فيها للشعب يسقط النظام. يعني بالنتيجة هو يلتقي مع خطاب الشارع الثائر دون أن يستخدم ‘نفس اللغة.
وفي الآخر أعتقد أننا كسوريين، ليس مهما من يحكمنا بل كيف يحكمنا..
فلا قتل الناطور يعنينا، إنما عنب سورية الذي يمكن أن يكون زبيبا للمؤمنين، ونبيذا للملحدين ودبسا للجميع.
فادي عزام – كاتب من سوريا |
16/06/2011