اسماعيل الرفاعي |
إبراهيم.. لم نلتقِ من قبل يا صديقي
لكنّ صوتك الهادر في ساحة العاصي..
كان يكفي لأتذكر كلّ ما حفظتُه من أغاني.
لم أرَ إلاّ قلادة الدّم الكريم
على عنقك المحزوز،
تمدّ سواقيها إلى صدر البلاد..
وكان موتاي يتراؤون لي
في وجهك الغارق في سكينته
الغائب في ملكوت الله، يا صديقي.
ولنا الكثير من الذكريات الموجعة والأمنيات..
لم نلتق من قبل، لكننا تقاسمنا الحلم ذاته
منذ عهد بعيد،
وتجرّعنا كأس المرارة ذاته،
وسبقتنا إلى النشيد الذي كنّا نهجس فيه بسرّنا،
حين جهرت بروحك في العلن،
وأسقطت الطاغية بغنائك الشجي..
ولنا حصة واحدة
من مياه العاصي،
وسرير على امتداد الوطن الأسير،
شجرة على شاطئ الفرات،
رشفة من نبع الغار
في بيت ياشوط،
ونافذة في باب السباع..
عاشقات لانعرفهن..
وطفولة نائسة على أراجيح اليتم،
وأعياد آن لها أن تجيء..
ولنا ظهيرة زرقاء
على ذهب اللاذقية العتيق،
قمرٌ يوزع فضّته بيننا بالتساوي..
يسيل على كراسي القشّ في أماسي حمص الندية..
ولنا البلاد كلها
من شجرة الغيم على مدخل البوكمال
إلى سرب الخضّرات التي هلّت في غير موعدها
على خاصرة الميادين
من البساتين التي أزهرت بعد السنين العجاف
إلى صباح القرويات يدخنّ سيجارة على الماشي
ينفضن رائحة الحقول في درب المدينة..
ومن ماري إلى الشام القديمة.
ولنا أيضاً رشفةٌ من القرفة
في مقاهي الصالحية
كأس من العصير البارد
مدفأة من الحطب
لمبة كازٌ لا يذوي فتيلها
ولنا نهارٌ نراه يولد الآن
من أغوار حنجرتك الذبيحة
ومن صوتك الذي بحّ في النشيد
لم نلتقِ من قبل
لكن صوتك الهادر في ساحة العاصي
أعاد نصل الموت
إلى جبهة الصياد .. ياصديقي
———-
* ابراهيم القاشوش
مغني شعبي غنّى للحرية
قتل واقتلعت حنجرته
وجدت جثته مرمية في العاصي
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.