تحت الأنقاض

الأنقاض تأتي من الأعلى

الزلزال الذي ضرب المدينة في منتصف الليل، احتفظ بالأحياء الذين قتلتهم عمليات الإنقاذ.
في الطابق الثاني، كان جاري في وضعية القرفصاء متفكّراً بالبراكين ورمادها، وبقي كذلك، إنما معلّباً، رأسه إلى أسفل وحزامه عالق تحت الجدار الشمالي لدورة المياه، ومؤخرته ملتصقة بالجدار الخشن الذي كان أمامه وفوقه وحوله خمسة طوابق بسماكة ثلاثة أمتار.

كانت قدمي تحت البراد، رأسي في النملية… في صحن الزعتر، وقدمي الأخرى محشورة مطويةٌ، السقف ومؤخرتي في الغسالة.
لا مجال لأية حركة أو صوت أو التفاتة نحو قضيب الحديد الذي برز من الحائط ودخل إلى النملية.

أخرجت لساني بصعوبة ولحست، ثم أدخلته بصعوبة أكبر، والآن في فمي قليل من الزيت وحبة سمسم واحدة والكثير الكثير من الدم.
لم يعد بالإمكان إخراجه مرة أخرى، لأن أحد المنقذين أثناء نشر رأس أحدهم في محاولة لانتشال ساقه اليمنى، داس خطأ على قطعة من جدار إحدى النوافذ، فدخل قضيب الحديد في خدي الأيسر ليخرج من خدي الأيمن، ووقفت حبة السمسم عليه دون أن يستطيع لساني الالتفاف عليه وأخذها مرة أخرى.

تحت الأنقاض إياك أن تتنبأ أو تتأكد…
فنجاحك في إخراج أصابع يدك من تحت مكتبتك يضع رأسك فجأة تحت جدار غرفة أخرى.
في هذا الركام العجائبي، لن تعرف أي شيء يسند أي شيء.. فإذا جذب أحد المنقذين أو المتفرجين طرف قميص فارغ، فقد يتغير مستقبل الأنقاض.
تنهار مرة أخرى مفرجة عن يد محصورة وحاصرة قدماً طليقة.
مثلاً، إذا أردت أن تخرج القلم من ثقب الباب لتكتب وصيتك التي لن تنجو، فسوف تحدث أشياء كثيرة… سوف تدخل قطعة إسمنتية عنوةً إلى فمك دافعةً أسنانك إلى بلعومك، متسببةً فإدخال سبابتك من ثقب الباب بدل القلم، لتُخرج من الطرف الآخر عظمةً نظيفةً من الحبر والدم واللحم.

الزلزال الحقيقي يحدث الآن تحت الأنقاض وخطوةً خطوة، يتبادل اليأس والأمل مواقعهما في الفراغات التي حدثت بالصدفة.
ولكن.. قبل أن ينهار المبنى، هل من المهم ما الذي كنت تفعله كي يتحدد موقعك تحت الأنقاض وكي يتحدد رأي رئيس فرقة الانقاذ فيما إذا كان على فريقه أن يزيح جدراً عن قدم عالقة ليضعه على جدار موضوع على رأسك أم لا؟ وهل يتغير موقفك من الأمل إذا كنت كجاري الذي نجا بسبب نمليتي التي قتلتني شظايا صحونها الفارغة؟

تحت الأنقاض، وعندما يكون الضوء في ظلمة ما تحت الأنقاض.. المهلة الممنوحة لك هي عمر الفقاعة التي تسند السكين.