الصفحة الرئيسية / نصوص / نثريات / إلى من في الداخل…”سحقا ” و” تبا لكم”

إلى من في الداخل…”سحقا ” و” تبا لكم”

.

.

.

.

فادي عزام

.

أعرف أن الألم السوري اليوم بات “منغصاً” مانعا للشهية، يحذر من النظر إليه ويهرب العالم حتى من السماع عنه.
المقاهي مكتظة لمتابعة بطولة أوربا، العالم تمضي بسلام، والناس هنا يعيشون التفاصيل التي نسيتها حقا، أين سنسهر؟ الأجازة قادمة ؟ السيارة والبيت…
وانا اعيد الفيديو ذاته منذ الصباح – الطفل السوري المصاب بشظية وهويلفظ أنفاسه أمام عجز والده والطبيب الذي لا حول له – والكاميرا التي تراقب بطنه وهو ينتفخ وروحه وهي تخرج على مهل.
وأسأل الآن في غربتي الهشة ماذا أفعل؟
هل أرسل تبرعا أناشد أصدقاء أجانب أرجوهم أن يتضامنوا مع طفل لفظ أنفاسه على مهل؟
أجمع ملابسا “لضيوف الأردن ولبنان وتركيا” أو أحضر اجتماعا على السكايب؟
هل أتخانق مع صديق على أفضلية دعم السلمية أو دعم الجيش الحر؟
لا أعرف هل هذا يجدي أم لا. .؟
ماذا أفعل؟

.
أردّ على ” قريب” تنساح منه دهون النذالة، تعبق روائح عرقه الزنخ ممزوجة بكثافة حضوره وسفالة منطقه وانتهازية حضوره، يروج في مدينتي أني غيرت اسم عائلتي إلى “العرعور “.
هل ارسل له “إيميل” ..أشمت به لأن من لحس أحذيتهم وضعوا له “بعصةً ” جعلته يصبح مضحكة كمرشح شرشوح لمجلس الشعب مثل أي جيفة تستجدي مؤخرة لتمدها بالمزيد،.
هل لي القدرة أو ” الخُلق ” على ذلك.

.
ماذا يجب ان يفعل الجالس في الخارج على خوازيق الأخبار وينام على دبابيس الألم وإذا ما طنش قليلا، أو اصابته فرحة طائشة، يعاقب نفسه بالجَلْد المتوصل كالمشارك الهائج في كربلاء .. ماذا أفعل ؟

.

ماذا أفعل؟.. أكتب مقالا عن ثورة شعب “ما برح” يذهل العالم. “ما فتئ ” يخلخل ميزان التاريخ بأصراره على الموت لتوهب له بعض من الحياة. هل يحتاج شعبنا اليوم لهذا الإنشاء الممجوج فعلا ؟
هل أشارك في تحرير صفحة مملة على الفيسوك هل أنجز مشروعا وعدت أصدقائي أن أنهيه منذ أكثر من أسبوعين.
هل أبدأ النميمة على من كان يضع سيجارا غليظا لدرجة تثير التقزز في فمه، ويلقلق ويفتن ويطق براغي مثل أي نذل ممن خرجتهم اسطبلات الثقافة السورية.
ماذا أفعل؟

.
ربما لدي رغبة الآن أن أقول: إني لم أحب زكريا تامر ويا ليتني لم التقيه. ولكن هذا لا يعني أبدا أنه ليس كاتبا كبيرا وخاصا وفريدا، أحب النمور في اليوم العاشر، وقصتين في مجموعة “تكسير ركب” ولم يعجبني صهيل الجواد الأبيض وأجد ما يكتبه في المهماز. قياسا بما يكتبه الشباب المجهول المحكوم بالتجاهل اليوم ……….. “بلا ما أحكي ”

.
ماذا أفعل لبلدي ؟
أشعر بالعجز بالألم يخترقني أحاول أن لا أقرأ أرقام الشهداء أحاول أن ألفظ اسمائهم أتخيل إشكالهم أحاول أن لا أزيح نظري عن أي فيديو مرعب. أحاول أن اعتني بعائلتي وابني احاول ان أهتم بعملي أحاول ان ابقى متفائلا متماسكا. احاول ان اكتب شيئا سخيفا لأكسر جدية صفحتي، ماذا أفعل هنا ؟
أحاول أن أكتب شيئا مؤثرا يدفع إلى التفائل، أحاول أن اجمع ولا افرق أن أذوب ولا أستعرض أن أصدُق ولا أكذب، أن أهمس ولا أصرخ ..
أنا الموجود بالخارج فكرت بكلٍ وفعلت بعضه ؟ واشعر بالظمأ الحارق بالوحشة بالتقصير بالخواء ماذا أفعل ؟

.
هل لدى أحدكم أن يساعدني؟ ويقول لي ماذا أفعل ؟ لشعبنا الذي يذبح؟ لسوريا التي تنزف، لبلدنا الذي نحره السفاح كي ببقى يستبيح المكان والزمان.
ماذا أفعل أنا الموجود بالخارج، خارج نطاق الموت خارج نطاق الهواء المشبع بالانتظار والحرية والبارود خارج دمشق، خارج نفسي. ماذا أفعل خارج البلد خارج الموت خارج الحكاية خارج التاريخ الذي يكتب اليوم بدماء أبناء سوريا

.

“لمن هم في الداخل؛ داخل المدى الأقصى والمجدي للقذيفة والطلقة والشظية والهراوة والشتيمة والرعب ”
تبا لكم..”.سحقا” كم فضحتنا دماؤكم !
ها أنا الآن أفعل شيئا.
……….أدخن.

عن دحنون

دحنون
منصة تشاركية تعنى بالكتابة والفنون البصرية والناس.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.