كميل نصر
رائحة ضباع نتنة وجائعة وبارود خانق تفوح من شوارع سوريا. صوت الريح الذي يخترق نافذة بيتنا وزمور باص ابو غالب هما اكثر ما يقضان مضجع ذاكرتي هذه الايام
اذكره تماما -فما زال المشهد ماثلا امامي- كان حسين غالبا ما يحاول الجلوس في مقدمة الباص مزهوا برتبه العسكرية وحاملا مسبحته متحدثا لسائق الباص أبو غالب أو من بجانبه عن بطولاته ومغامراته العسكرية والتي كان يتقمصها وكنت اقول لنفسي حينها ان الصادق مغامراته هو ما كان يفعله بالبيت، كوني كنت ارى واسمع بنفسي الكثير منها كونه جارنا وامر من امام بيته يوميا.
لا زلت اذكر دموع طفليه ذوي الست والثماني اعوام على التوالي جراء فصول العقوبات والاوامر العسكرية وحتى الاجتماعات اذا لم يكن الرائد حسين حينها يتردد في ممارسة كل واجباته العسكرية في البيت ومازال وجه زوجته الهاربة من بيته الى بييت جيراننا ماثلا امامي وصوتها يصم اذاني، فلم يتردد سيادة الرائد من سجنها بالحمام ليلة كاملة ووعدها “في المرة القادمة مع دولاب”.
بقي حسين يركب الباص يوميا حتى بعد ان وصل لرتبة عقيد التي تقاعد بها في نفس المكان مبرزا حضوره العسكري وسطوته الكبيرة عند الحاجز الامني على طريق ضيعتنا فالتفتيش على الهويات بشكل يومي للجميع وهو الاستثناء الدائم الا عندما يتم تبديل عناصر المفرزة
كنت اعلم جيدا من احد ابناء القرية التي صدف وان خدم في نفس القطعة العسكرية الحجم الحقيقي له.. فهو لم يكن يوما اكثر من ممسحة لقائد قطعته ومصدر للسخرية والنكات وحتى الاهانات في الاجتماع الصباحي
ها هو حسين يعود اليوم منتعلا بسطاره العسكري، يمد رقبته لحذاء سيده القديم مدافعا عنه بشراسة وفاردا حذاءه على رقاب البشر من ابناء جلدته… متهجما ومتهكما دفاعا عن بشاره.
افنى عمره لاسياده ليأتي اليوم -وبعد ان تخلص من ذله- لأذلال ابناء بلده ودوسهم من جديد..
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.