اسماعيل الرفاعي |
رأيت باب بيتنا القديم
يطلّ بين لافتتين تحملان تاريخ الجمعة العظيمة،
ممهوراً باسم البلد..
رأيت يداً تظلل نافذة أطلّ منها على طفولتي،
حين كانت عصافيرنا الورقية
تقفز من أكفّنا إلى شجر السنديان،
تنقر فاكهة الجار،
تحمل على رفيفها أحلامنا
رأيت الفرات يغالب ضفتيه..
يستعيد صوته في حناجر الهادرين باسمه،
السائرين بخطى الزيزفون على مراياه،
رأيتهم يستريحون عند ظلال الرحبة،
يجففون جراحهم بعين علي،
ويلقون من مئذنته الشاهقة بشاراتهم..
رأيتهم يخرجون من شارع الأربعين
إلى واحة الصفصاف،
ومن السوق المقبي إلى ساحة السرايا..
ورأيت القرى كلّها تتقاطر..
رأيتهم يحملون بساتينهم على ظهورهم..
مدججين بمحاصيل القمح وسلال التين
تتقصف الشمس في عيونهم،
وتلين في ملامحهم القاسية عريكة الأرض.
ورأيت.. درعا تحاصر الدبابات بأغصان الزيتون والأغاني،
وحمص بشقائق النعمان،
ورأيت الأطفال في تلكلخ
يفضحون مخابئ القناصة
بنجوم تنزّ على الجبين،
والطغاة يعدّون مجنزراتهم لهزيمة أخرى..
ورأيت فيما رأيت..
قتلى يسقطون وينهضون،
لينهض قاسيون من كبوته،
ويستعيد من ناصية السماء تاجه الحجري..
وكان النهار على بعد خطوتين من دمشق،
يغزل في دوما شموسه،
وفي سقبا وحمورية وبرزة البلد..
وكان الرصاص الحي
وكتائب الموت والجند الأشاوس،
يحرسون بيوت الله من العباد..
والمصلون التائبون إلى بلادهم،
يقيمون صلاة الشهيد على أرواحهم ويخرجون..
وكانت جيوش القائد المغوار تمشّط البلاد من البلاد.
وفي حمص العدية
كان ديك الجن يريق على جلبابه خمرة الندم..
يفتش في جمعة الحرائر
عن ورد الذبيحة بسيف العاشق المسلول..
يترنح بين باب الدريب وباب السباع..
يسأل أبناء جلدته الغزاة عمّا يريدون،
فيستعيد ريبته ويحزّ عنق وردٍ من جديد..
ومن جديد يعاود العشاق سيرتهم في مسيرة الورود،
ويقطفون قبلة أخيرةً على عجل.
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.