الصفحة الرئيسية / نصوص / شعر / عشية استلام الوريث القاصر مقاليد الحكم في سوريا- إسماعيل الرفاعي

عشية استلام الوريث القاصر مقاليد الحكم في سوريا- إسماعيل الرفاعي

كانت دير الزور تتقلب بين نداوة الفرات وموجات الغبار الخانقة..

وكنّا قد وضعنا أحلام الحرية جانباً، وأسلمنا أنفسنا للأشياء الصغيرة والهواجس الصغيرة.. العشاق أغلقوا قلوبهم، والساسة أغلقوا أحزابهم، والطغاة أغلقوا على أرواحنا وأجسادنا زنازينهم.. هكذا كانت الحال.. خطوات متثاقلة في الشوارع نجرّها جراً من بوابات المقاهي إلى الخمارات، ومن الزيارات العائلية إلى مواعيد الغرام الفاشلة..

وهكذا كانت الأيام تمضي بنا.. حتى انتبهنا فجأة في شوارع دير الزور، عشية استلام القاصر الوريث مقاليد الحكم في سوريا، إلى وجود حزم سميكة من الأسلاك تمتد لعدة كيلو مترات في المدينة.. أول الأمر لم نكترث كثيراً بما يصنعه أولئك العمال الغرباء الذين احتشدوا ببزّاتهم الصفراء في كلّ مكان، حتى وجدنا تلك الشباك العنكبوتية العملاقة وقد قطّعت أوصال المدينة، وافترشت مختلف الأحياء والشوارع، وكأن ثمة نيّة لنسف المدينة برمّتها.. وقد بدأ القلق يسري بين الناس، إثر شائعة تقول باعتزام السلطات إجراء تفجيرات محدودة لسبر المخزون النفظي في المحافظة.. وإنه لن تتضرر إلا البيوت القديمة والمتداعية بالأصل.. لم يستطع السكان نقل احتجاجاتهم لأحد، كتموا تخوّفهم ورفعوا أدعيتهم إلى السماء بانتظار ما سيحدث على الأرض.

وبعد أن أكمل العنكبوت الغامض نسج شباكه، بدأنا نشعر بارتعاش متقطّع واختلاجات تصيب جسد المدينة، حتى صحونا ذات يوم على ملايين الملايين من الخنفساء الأسود الذي غزا المدينة بأكملها، لقد غرقت البيوت بالخنفساء.. زجاج النوافذ، الشوارع، مصابيح الكهرباء، الأسطح، الأسرّة، وبدا الأمر وكأنه حدث خرافي لا يحدث إلا في الأساطير، أو في أفلام هيتشكوك، أو في مشهد الشبيحة الذين ملأوا اليوم ساحات وحواري سوريا برمّتها.. لقد كانت تلك الحشرات السوداء تطلق روائح كريهة حوّلت المدينة إلى ما يشبه مدن الطاعون التي سمعنا عنها، أو المدن التي تحلّ بها لعنة تفتك بها.. لم نستوعب ما يحدث، وتجاوزنا خوفنا من تداعي المنازل، نحو خوفنا من الخطر الذي يمكن أن ينجم عن تلك الحشرات؟.. كنّا نسمع تقصف أجنحتها تحت عجلات السيارات وأحذية المارة، دون أن نرى نقصاً في أعدادها، ولم يستجب أحد لمطالبنا بمكافحتها.. ترى هل انقلب باطن الأرض في ليلة وضحاها؟

لا أحد يعلم ما الذي حدث؟.. ولا أحد يعلم كيف اختفت تلك الحشرات في لحظة خاطفة بعد أن أرعدت السماء، واجتاحت المدينة سيول من المطر الغزير ظلّت تهمي على الأرض طيلة ستة أيام، جرفت معها كل هذا الدنس الأسود الذي هبّ علينا من باطن الأرض، وهاهو الأمر ذاته يحدث معنا مرة وأخرى، وعشية سقوط الوريث الهزيل، بعد أن قطع أوصال البلاد كلها، وأطلق جرذانه وشبيحته لتحتل المدن، والشوارع والأسطح، والنوافذ.

———-

عن دحنون

دحنون
منصة تشاركية تعنى بالكتابة والفنون البصرية والناس.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.