أقول هناك خلل في عمل التاريخ في بلادنا، إنه إمّعة لا حول له و لا قوة، لا يملك قلماً و “كاميرا”، أحاول أن أثبت أنه مصاب بالزهايمر..
في المحكمة اعتبروني شاهد زور، بسبب طول”قائمة” الأشياء التي تستفزني..
كتلة من القرف و الشَعر عالقة في حلقي ….لم يسعفني صوتي للدفاع عن الفضاء الشاسع داخلي، و عنقود انسانيتي المتدلي في هذا الفضاء…
أردت أن أُصرّح بأن تاريخي ملئ بالرضا، و أنّ الجميع طبطب على رأسي…الجميع بلا إستثناء، الأشرار و الأخيار، الآلهة و الشياطين، الحيوانات اللاحمة و العاشبة….كلهم كانوا فخورين بي..
كان التاريخ يلبس بدلة بيضاء حديثة أنيقة، و يتحدث عن إجازته الطويلة و عن فترة التأمل التي امتدت لنصف قرن كان خلالها في مزبلته….. و عن نظام الأمان الجديد الذي وضعه على “المزبلة “حتى يمنع عودة الأشياء منها، عندما أتى بضع رجال تبدو عليهم وعثاءالسفر يتحدثون فصحى مشوهة و اختطفوه.. قال أحدهم: يبدو أن نظام الأمان لا يعمل..
رفض بائع الخبز التعامل معي، لأن المعلومات تقول أني لم أقل( أحدٌ أحد ) عندما وضعوا تلك الصخرة على بطني، و أنها سالت كالزئبق و دخلت في صرتي….قال: إنّ قلبك و أحشائك أصبحت من حجر، لا حاجة لك بالخبز..
قالت لي الثورة و هي تتلمس تجاعيد وجهها و ترهلات بطنها على مرآة الفيسبوك و المجتمع الدولي:لقد هرمت..أخاف أن أُقتل محرومة..
أمّاالحياة فكانت تجلس القرفصاء و تضغط على البشر تحتها، تمطر عليهم من شرجها حجارة تقتل الجميع، إلا من أسعفه حظه و لجأ لشق بين صخرتين أو ثلاثة و استقر هناك ..في الفراغ بين المبادئ..بين العقل و تبريراته…بين الدين و الطائفة..
الطريق إلى البيت مُعبدٌّ بكل أنواع الأوراق و الكلمات، قصائد عن الحزن و الرثاء..محاضر لكل الإجتماعات عبر التاريخ…. وثائق تدين البشر بكل ألوانهم و أحجامهم و تثبت خيانتهم..
أستعين على الطريق بجناحين من حقدٍ و غضب، أمّا الحب تلاشى و اختفى في زحمة الأوراق و في حبر الشارع و الوثائق..
على الحاجز أمام بيتي نظر الجندي -صاحب الخوذتين -الذي يستعيض عن الخبز بجِلد و لحم الأطفال الذين لا يحملون أوراقاً تثبت طائفتهم إلى أوراقي و قال و هو يمسح آثار الدم عن شفتيه: دعوه يمر، أوراقه صحيحة و تاريخه نظيف..
لكنه بحث عني طويلاً و لم يجدني، كنت قد تبخرت خوفاً….
و هكذا..
الصورة: Keith Haring
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.