الصفحة الرئيسية / زوايا / بالزاوية - فادي عزام / الملاجئ والميغ والله أكبر
Aleppo - Yusuf Sayman
Aleppo

الملاجئ والميغ والله أكبر

بالزاوبة
لفادي عزام

 

 

ينشغل الروس حاليا في ترميم سمعة “الميغ” المنهارة عالميا بعد تساقطها بطريقة كارتونية، بتبرير أن تحميلها براميل من المتفجرات جعل من قدراتها على المناورة والسرعة تنخفض!!

ويبررون أن الفَرَس من الفارس، وفرسان الجوّ السوريين، ممن تسول لهم أصابعهم تحرير القنابل من رتاجها، لا يليق بهم أن يكونوا فرساناً على بغال التهريب!

وبمناسبة الحديث عن الطائرات، يعرف الكثيرون كيف استخدمت الهليكوبتر السورية لنقل الآثار المسروقة، وتهريب المهربات بين الشام وحلب واللاذقية. وفي أوقات فراغها تتدرب على القصف العشوائي. وما استتبع من قصف وخصف لبنية المدن، حلقت الطائرات المعطوبة لتوزع الدمار والخراب دامغة التاريخ والجغرافيا بوشوم عهد الأسد.

وفي كل قصف كان الناس يبحثون عن ملاجئ ليكتشفوا حقيقةً مذهلة.
فباستثناء عدد قليل لا يصلح للإيواء البشري، توقف النظام السوري عن الاهتمام بالملاجيء منذ عام 1974. وأطفأت صفارات الإنذار إلى الأبد.
كان يعرف تماما أنه في حالة أمان كليِّ من أي حرب، ومازال يستطيع أن يبقي الجولان مجرد كلمة في قاموس الغش السياسي، ولواء اسكندرون بقعةٌ غامضة في خريطة مدرسية.

كيف لم ننتبه يوما أننا كنا نعيش بلا ملاجيء؟ وأننا يمكن أن نكون لاجئين في فضاء مكشوف في بلاد كنّا نمنّ عليها بقمحنا ومائنا وحصتنا الشحيحة من الإنارة الشاحبة ونقاسمها حصة الطير في أرزاقنا.
( آخ منك يا زعتري )

نعم الملاجيء تقوم بها الحكومات والأنظمة لحماية الشعب والناس من القنابل والصواريخ، من العواصف والأعاصير، من فنون البلاء والكوارث. النظام السوري عبر وجوده الممسوخ كان يقوم فقط بتحصين نفسه، فالملجأ الوحيد المعزول الآمن المليء بالأنفاق والمتقن التحصين ضدَّ أعتى الاحتملات القاصفة، هو مكان سيادة الرئيس، الذي اختصر الشعب وأكل العشب وأُتخِمَ من الشبع، وهو يمضغ جسد البلد. يمتص رحيقها وخيراتها وطاقتها فيحيلها أرضاً للجراد، يباباً بعد اخضرار، مقنعاً إيانا أنه قائد التحديث والتطوير، ببضع مولات وشوارع جانبية للقصور الجمهورية، وفلل ذئاب البلد. بينما العتمة تتكدس فوق “القطيع”.

لم يكن يؤمن يوماً أنه يحكم شعباً. لم ير يوماً في البلد سوى ثروات يجب أن يسرقها ليحيلها إلى ملاجيء وأنفاق لحمياته. ذهباً مهرباً، ودولاراتٍ لشراء الضمائر والطائرات التي توقّع مرسِلات الموت باسمه الصريح. فالسكود والميغ، والمحلقات راميات الموت، لا يمكن أن يتّهم بها لا المعارضة ولا المؤامرة.

كلُّ نظامٍ فاشيٍ مبنيٍ على قيم العصابات يعمل على إنتاج مجتمعٍ على صورته. النظام السوري متخلفٌ كاذبٌ حاقدٌ وضيعٌ بلا ضمير، مخرّبٌ خائفٌ بلا رادعٍ أخلاقي، بلا رادع قانوني. أنتج مجتمعا قبيحاً فقيراً منافقاً. علاقاته مليئةٌ بالوضاعة بعد تدمير منظومة قيمه الأخلاقية والقانونية والإنسانية والدينية والجمالية أيضا. وخلال حكم حافظ الأسد حتى رئيس مجلس الوزراء كان يُختار دوما ليس فقط أكثر الرجال فساداً وولاءً للدكتاتور.. بل ودمامةً أيضا.

اكتشفنا اليوم أن طائرات الميغ التي دفعنا ثمنها من ضرائب الاغتراب وبدل الجيش واقتطاع المجهود الحربي وطوابع الخزينة تقتل من موّلها. ولم يسمع عبر التاريخ عن شعبٍ موّلَ قاتِلَه مثلما فعل الشعب السوري، الذي اقتطع من كفافه اليومي ليلقم الطائرات والمدافع ذخائر موته.

اكتشفنا أن عدونا ليس في الخارج بل جاثم هنا على أنفاسنا منذ أربعة قرون. لو أن الموت الذي يذيقنا إياه نظام الإجرام هذا تقوم به إسرائيل لما بقي هذا الكيان الدموي خمسة وستين عاماً بيننا.

الناس يحتمون بملاجيء الله، بالمساجد، والكنائس، والأديرة. يحملون كتباً مقدسة وكلماتٍ تحمي الروح من الخوف، يكبّرون للقويِّ الجبار، ليقولوا له ما إلنا غيرك. التكبير هو خيار أخير لم يعد للناس سواه. فحين تقوم بتصغير الموت، والجريمة، والذل لإخوتك في الوطن، فلا تعتب عليهم إذا بدأوا بالتكبير، للتذكير بأن كلَّ كبير هناك من هو أكبر منه.

ورأس النظام الأخرق يصرح في مقابلته الأخيرة بأنه يجد صعوبة في شرح المعنى الصحيح لعبارة “الله أكبر” لأطفاله!!!
مرر فوق رؤوسهم صاروخاً، اسحب والدهم من فراشه في الليل، اقتل أمهم أمام أعينهم، اقطع أمامهم رأس أحب الناس إليهم، وستجدها تكرج على ألسنتهم كرج الخوف والرجاء واللجوء..

لك .. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.

 

 

الصورة: حلب – يوسف صيمان

 

عن دحنون

دحنون
منصة تشاركية تعنى بالكتابة والفنون البصرية والناس.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.