دحنون | Dahnon منصة تشاركية تعنى بالكتابة والفنون البصرية والناس 
توثيق سامر المصفي
“طايرة من الفرح يمّة”.
هذا ما كانت تقوله فاطمة لوالدتها وهي تجرجرها لتذهب معها وتبارك لمريم صديقة طفولتها وحبيبة قلبها بخاتم الخطوبة
كانت متوثبة لترد في وجه كل من يقول بان هذا ليس وقت خطبة واعراس الناس تموت في الشارع,,
” انتو اعملو ثورة، احنا نريد نعيش” تقول في كل مرة تلتقي فيها الحياة بالموت على المفرق ذاته
قلب الام غير مطمئن، لا يريد الذهاب الى بيت مريم. المتظاهرون يملأون الشوارع، هذا يعني ان القناصة على الاساطيح يمارسون لعبة القتل اليومية، لكن فاطمة مصرة وتحاصرها بلكزات القضاء والقدر: “اللي كاتبو ربك بدو يصير يمّة..
الله يخليش يمة خلّنا روح”
توجهتا الى بيت مريم عبر الحارات والشوارع الخلفية للثورة، وليس في راس فاطمة الصبية العشرينية سوى الهدايا التي ستفلفشها والقلوب الحمراء الممهورة باحرف انكليزية ومريومة على الباب تهلهل لقدومها..
ولجتا سريعا الى الغرفة الصغيرة مخبئهما منذ ايام الطفولة وغرقتا بين الهدايا المعطرة والقلوب المشتعلة وقصص الحب وطرق الاستعداد لميكانيك الحياة. لم تمهلهما الام كثيراً من الوقت، قبّلت مريم ومشت امام فاطمة باتجاه البيت.
كانت مئة متر فقط لتلتفت وترى فاطمة على الارض، ظنت انها تعثرت وستقوم بعد لحظة لتنفض ثوبها وتتابع المشي.
لم يكن صوت الرصاص يعني امرا غريباً في درعا البلد بعد كل ما حدث بطبيعة الحال. ولم تدرك ان رصاصة في رأس ابنتها هي السبب الذي جعلها لاترد على سؤالها الملهوف : “شبيش يمة؟” سوى بابتسامة كانت لا تزال عالقة على وجهها. لم تعرف ما تفعل. لم تمر عليها ثورة من قبل لكنها تعلم جيدا انه لا مكان لراس ابنتها المفتوح في المشفى الوطني فاستسلمت للرجال الذين حملوها وسط التكبيرات وساروا بها الى اقرب بيت ريثما يهدأ اطلاق النار – وأقرب بيت كان البيت ذاته الذي غادرته فاطمة قبل قليل – بيت مريم.
مريم الواقفة كتمثال غير مصدقة ان صديقة طفولتها وحبيبة قلبها “فطوم” هي التي يسجّونها امام قدميها الآن وطلقة قناص اخترقت رأسها، لم تنطق او تبكي كانت جثة اخرى واقفة امام جثة ممددة.
ما قالته مريم بعد شهور: بقيت انظر الى ضحكتها الى ان لفوها بالكفن، عندها لا اعرف كيف هربت الى غرفتي وبكيت لاسبوع متواصل.
درعا البلد – ٢٠١١
