الصفحة الرئيسية / تجريب / عائدون يا دمشق

عائدون يا دمشق

يوسف ابو خضور
خاص بدحنون

 

هذه الصرخة القديمة جداً..

كما أيقظت عشرات الملوك قديماً، وكما أرعبت آلاف العبيد حديثاً،هاهي توقظنا في الليل نرتجف برداً، مرعوبون من أصوات ” تشفيط” السيارات على اوتستراد المزة، و من الجريمة التي بلا صوت..

عائدون يا دمشق ….كنا نرددها في كل مرة نغادر المدينة الجامعية إلى قرانا و بلداتنا حاملين ” الغسيل” و أجرة الطريق و “بعض الحكايا”..

وفي مُدننا كان الأهالي يشيرون إلينا بحسد “يدرسون في دمشق _ يعملون في دمشق”، و في دمشق يشار إلينا بشفقة “طلاب _ عمال”.. وبين الحسد و الشفقة كانت تتدلى عقولنا خرساء..

وكذلك في كل مرة نمر ّجانب أحد الفنادق الفاخرة لينطلق السؤال السرمدي: بتعرفوا بكم فنجان القهوة هون؟
كنا نرددها عندما كنا ” نلّز” على الفتاة التي تجلس بجانبنا في السرفيس، أو نتبرع لها بمكاننا دون أن تلاحظ..
وعندما تقودنا أقدامنا إلى الأحياء الراقية ، و كلما مرت سيارة بلا صوت من أمامنا صباحاً و بخار أبيض جميل يتصاعد من أطرافها….
عندما نتكوم في التكسي..
عندما نستعيض عن القهوة صباحاً بعلبة “زاهي بالنعنع”….
عندما نكذب بكل شئ و ندّعي أننا جلسنا في المقاهي و سكرنا في النوادي الليلية و شربنا الكوكتيل عند ” أبو شاكر”….
كنا نرددها عندما كانت دمشق ترفضنا و تطردنا و تحرص على أن نسير جوعى و خائفين في شوارعها….

في مواقف السرفيس، و في نفق المدينة الجامعية، و على زاوية شارع لوبيا في اليرموك، و تحت المتحلق الجنوبي و جسر الثورة، في أزقة الحميدية، و حارات باب توما … في كل مكان …كانت أقدامنا تضرب الأرض بعصبية و نصرخ في أعماقنا : أنت لنا يا دمشق …..

كان ذلك في زمن غابر لا ينتمي لعصر الفضيحة هذا، زمنٌ كانت الصباحات لا تحمل القذائف و أخبار الموت القادمة من سائر الجهات.
لم تعد دمشق تنتظر سيارات الخضر و الفواكه القادمة من أنحاء البلاد.
دمشق الآن تنتظر ما يخبئه الفلاحون تحت الخضار و بين البضائع…

اليوم نريد العودة لنسترد آثار أقدامنا فقط ..!

 

 

الصورة: Emka

عن دحنون

دحنون
منصة تشاركية تعنى بالكتابة والفنون البصرية والناس.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.