هنا على الشاشة تبدو الأشياء مختلفة تماما عنها على الأرض. وعلى الأرض لم يعد المسار يشبه بداياته إلا قليلا.
تغدو حكاية أطفال درعا وورود غياث مطر ومظاهرات: (سورية بدها حرية، الموت ولا المذلة)….كأنها حدثٌ قديمٌ جرى في كوكب بعيد… لم يعد المشهد الأوّل حاضراً إلا في صدور المؤمنين بالوطن السوريّ لا بالإسلام السياسي ولا بالثارات الحاقدة ولا بأداء فطاحل المعارضة …
الناس في عمق الجبل، الغالبية العدديّة التي لا تملك لاب توب، ولا تملك أدنى فكرة عن بانوراما سوريا اليوم، سمعت بمؤامرة المسلحين ذوي اللحى، ولم تسمع أصلاً بتعذيب أطفال درعا وحصار باباعمرو وقصف ديرالزور ونهب حلب و(تحرير) الرقة ومذابح بانياس واجتياح القصير وتجويع الغوطة إلى اقتناءالسلاح الذي صار يملأ مخازن البلاد بما فيها السويداء بدلاً من الطحين…
الناس هنا في وادٍ بعيد.
أكثر من سنتين والآذان تنغلق عن الآذان. لم تتوسع الحاضنة الشعبية للثورة، لكنها تتقلّص وتتقلّص…
أهلنا خارج سوريا يتحرّقون ليروا الألوف تتظاهر غضباً لقتل لورنس* تحت التعذيب (والألوف تعتقد أنه عميل لأعداء الوطن)، أو غضباً لموت الطفل في قنوات برصاص أهله في (جيش الدفاع الوطني) (والألوف تقول أن هذا الطفل سكّير وفي شاحنته مشروب ومخدرات). ولا يعلمون أنه لو حدثت هذه المعجزة التي ترجوها عاطفتي ولا يرجوها عقلي لانساح دم الإخوة سيلاً ليس من رصاص البنادق أو قذائف الدبابات أو حتى براميل الموت من الطائرات؛ بل من آلاف الكلاشنكوفات التي تسلّلتْ خلسةً إلى أيادي الكثيرين من المدنيين، فضلا عن غطرستها في أيادي الشبيحة من أهل البلد. هؤلاء الذين لم يغضبهم موت الشباب كل يوم في صفوف الجيش، ولم يغضبوا للغلاء الذي خنقهم، ولم يغضبوا للخطف ولا للسرقات ولا للفوضى العائمة في غياب الدولة، هؤلاء الذين ينتظرون زيادة الرواتب كي يرتبوا أيام الخبز والدواء وأجرة البيت والغاز والمازوت والفواتير… هؤلاء المستعدون للتصويت ب: نعم عام 2014 مع الأمان والهوان، أهون من أن يذبحهم الإسلاميون هذا المساء…
بدأت واشتعلت ثورةً للكرامة، لكنها لم تكسب الشريحة الأكثر فقرا والأعظم عدداً. ولكي تستمر الثورة وتنتصر عليها أن تعيد خلق حاضنتها. أن تحتويها كما هي بعيوبها وسذاجتها وامتدادها، وترتقي بها… لا مفرّ من أن تعمل معها كل يومٍ وتعيد الكرّة…
هنا على الأرض نترك السلاح لأهله، والسياسة لأهلها. ونحن ـــ خميرة البلاد ـــ علينا أولا وثانياً وأخيراً: الإخلاص والوطنية في عملنا كلٌّ في اختصاصه وفي اختصاصه فقط.
العمل الاهلي.العمل الاهلي…العمل الاهلي
…12/6/2013
هوامش:
*لورنس كمال رعد: شهيد من بلدة القريا سقط تحت التعذيب في سجون بشار الأسد
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.