في أحد البيوت الواقعة على مشارف الجديدة في وادي البقاع، اجتمعت تسع نساء سوريات معظمهن مراهقات عدا اثنتين منهن. يرتدين ثياباً مرتبة وتبدو صحتهن بأحسن حال، ولكن الحال لم يكن كذلك على الدوام. عندما غادرنا سوريا كنا ننام في الشوارع، “لم نملك الأكل كل ما أكلناه كان الجوع” تقول مايا الفتاة الأصغر في المجموعة.
مايــــــا
الأكثر لفتاً للنظر، فتاة ذات أربعة عشر عاماً بعيون زرقاء غير عادية ووجه مستدير تقول أنها مخطوبة لرجل لبناني غني من البلدة لكنها لم تخف خوفها من هذا الارتباط لأنه يبلغ من العمر خمسة وأربعين عاماً.
“بعض العائلات تبيع فتياتها لتعيش ولكن بكل الأحوال الرجال هنا يأخذون الفتيات اللواتي يريدون مقابل المال أو بدونه.
سأتزوجه فقط كي تتحسن الأمور نحو الأفضل أنا لا أريد الزواج ولا إنجاب الأطفال أفعل هذا فقط من أجل الأمان أليس من المخجل أن أتزوج رجل في الخامسة والأربعين وأنا في الرابعة عشر؟
أنا لا أحبه حتى أنني لا أطيق النظر في وجهه” وبدأت البكاء
‘يقول لي ‘أنا من يحميك، ويطعمك، عليك أن تفعلي ما أقول، أو أرميك في الشارع”.
أما أنا فأشمئز منه … ولكني أفعل هذا من أجل عائلتي، حتى نتمكن من العيش بأمان”
بين تنهداتها وبعد أن أخذت نفساً عميقاً ومسحت وجهها باستسلام تتابع “إنه على حق، فهو الذي يطعمنا ويحمينا، وأنا أفضّل أن أنتهك من قبل رجل واحد بدلاً أن يحدث هذا لي من كل رجال البلدة”
أم مايـــــا
“سأزوج ابنتي لتكون آمنة ومن أجل حمايتنا أيضاً. في السابق، كنا نعيش جميعاً في غرفة واحدة شعرنا كأننا متسولين. كان لي ابناً، لكنه استشهد في سوريا وزوجي يقاتل هناك.من من المفترض أن يعتني بنا؟”
لدي أربع بنات أخذت أصغر واحدة والتي تبلغ من العمر أحد عشر عاماً للحصول على الخبز من مكتب المساعدات في عرسال. الرجل الذي كان يعطينا الطعام تحرش بها، قلت له أن يبعد يديه عنها، فقال إنه يشرفها عن طريق وضع يده عليها … ما يجب علي القيام به لحمايتها؟ ”
رحاب
في غرفة أصغر بكثير في مخيم قرب جامع في عرسال تجتمع ١٢ امرأة جالسات على فرش على الأرض. ثيابهن ممزقة وخشنة وتبدو على وجوههن التعب. بعضهن يحمل أطفالاً. رحاب امرأة في منتصف العمر وأم لثلاث فتيات.
تقول “لا تستطيع الفتيات أن تخرجن وحدهن إلى أي مكان حيث الرجال يتحرشون بهن ويتلمسونهن. صراحة عندي فتاتين غير متزوجتين إذا تقدم لإحداهن أي رجل للزواج سأوافق فوراً لأتمكن من حمايتهن من الخطر والتحرش”.
سراب
ابنة رحاب فتاة جميلة تبلغ من العمر سبعة عشر عاماً تعبر عن اليأس في افتقارها إلى ملاذ تلجأ إليه في حالات العنف القائم على نوع الجنس، تضرب لنا مثالاً عن رجل ذي مكانة في عرسال يشتهر بمضايقته واعتدائه على الفتيات السوريات.
“لا يوجد شيء يمكن لأي شخص القيام به لوقف هذا الرجل إذا حاولت إحدى أسر الفتيات أن تسبب له أي مشكلة، سوف يسبب مشكلة أكبر بالنسبة لهم … أين علينا الذهاب لطلب المساعدة إذاً؟”
ريم
٢٠ عاماً تحمل طفلة في الثالثة من عمرها في حضنها، تخبرنا كيف تم اختطاف فتاة من قبل أربع رجال أبقوها عندهم مختطفة لعشرة أيام ثم رموها في الشارع، تقول مستنكرة ” ١٠أيام … والعياذ بالله …. أربعة رجال”، والدها يريد تزويجها لأي أحد حتى لو كان متسول.
تروي ريم كيف أن رجلاً من عرسال حاول إغواءها ثم أرغمها على الدخول إلى متجر وضربها عندما قاومت قالت له “لا تعتقد أن كل الفتيات السوريات هنا لا يمتلكن احتراماً للذات هل تعتقد أنني من هذا المستوى الهابط حتى أتجاوب معك ؟ أنتم من لا تملكون أي احترام لذواتكم حتى تتحرشون بنا بهذه الطريقة، عليكم مساعدتنا وتقديم الطعام لنا ومعاملتنا كأسرة لكم. نحن في حال سيئة جداً وأنتم تستغلوننا” فقام بضربها حتى تورم وجهها ثم بدأت البكاء والركض بعيداً.
لاجئون
بلغ عدد اللاجئيين السوريين في لبنان حسب الأمم المتحدة ٥٠٠٠٠٠ لاجئ مسجل منذ بداية الصراع في شهر آذار ٢٠١١. متوزعين في أنحاء البلاد ولكن العدد الأكبر منهم متركز في وادي البقاع حيث بإمكانهم تحمل نفقات أجور بيوت وغرف في حين يفترش الجزء الأكثر فقراً المخيمات التي أنشأت حول المدن الشمالية مثل عرسال .
حسب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين فإن ٧٨ % من اللاجئيين السوريين في لبنان هم من النساء والأطفال بسبب ازدياد عدد الضحايا من الرجال في الصراعات الدائرة بالإضافة إلى اختيار أكثرهم الاستمرار في القتال دوناً عن الهرب إلى الدول المجاورة. فمن المرجح أن يشكل اللاجئون السوريون الفئة الأكثر عرضة للخطر، ما تؤكده عدة تقارير عن تعرض فتيات ونساء سوريات إلى تحرش جنسي من قبل رجال سوريين في بعض الأحيان وفي الغالب على يد رجال محليين من لبنان، الأردن ومصر في بعض الأحيان.
رأي تخصصي
جيهان لاروس متخصصة في مجال حماية الأطفال والعنف القائم على نوع الجنس تقول ” إن خطر العنف الجنسي إضافةً إلى الفقر الشديد أديا إلى زيادة ملحوظة في عدد حالات زواج القاصرات بين اللاجئين السوريين. مع تغيير واضح في الأسباب، فبالإضافة إلى الدافع الإقتصادي تأتي مسألة حماية شرف الفتاة وعائلتها نظراً لتزايد حالات العنف الجنسي سواء في سوريا أو هنا في لبنان، زواج ابنتك يعني وضعها تحت حماية رجل ما يعني أنها ستكون أقل عرضة للتحرشات الجنسية.”
غيدا عناني، مديرة أبعاد، منظمة لبنانية غير حكومية تعمل على مواضيع متعلقة بالعنف القائم على نوع الجنس في المخيمات السورية، تقول “هناك الكثير من الأدلة التي جمعناها في التقييمات واللقاءات الجماعية تدعم هذه المزاعم.
وخلال هذه الجلسات، أصبحنا أكثر اطلاعاً على حجم المشكلة حيث تحدثت النساء والمراهقات بشكل مفرط عن حوادث العنف الجنسي التي واجهنها في كل من سوريا ولبنان وهناك أيضا مسألة استخدام النساء لأغراض جنسية؛ وبعبارة أخرى، الدعارة القسرية”
من الجهة اللبنانية
ينفي رئيس بلدية عرسال علي الحجيري هذه المزاعم عن الانتهاكات الجنسية من قبل الرجال المحليين “هذا لا وجود له لا يوجد شكوى واحدة من النساء السوريات نحن نعتني بهن كما لو أنهن بناتنا”.
في محادثة منفصلة يعترف نائب رئيس البلدية أحمد فليتي بازدياد حالات زواج رجال من عرسال بفتيات سوريات ولكن يدعي عدم علمه بأي تحرشات جنسية.
غير أن النساء يروين قصة مختلفة تماماً، النساء يقلن أنهن واجهن العديد من حالات الاستغلال الجنسي. عمة مايا منى تقول أن الدعارة، سواء بالإكراه أو بالتراضي، تحدث غالباً بين اللاجئين.
اليونسيف
تحاول اليونيسيف القيام بمبادرات تهدف إلى توفير أماكن لإيواء الفتيات اللاتي وقعن ضحايا العنف الجنسي. يخططون أيضاً للتنسيق مع الحكومة اللبنانية وقوات الأمن لتدريبهم على كيفية التعامل بشكل أفضل مع حوادث العنف القائم على نوع الجنس.
جيهان لاروس، متخصصة بحماية الأطفال والعنف القائم على أساس الجنس
“بما يخص القانون في لبنان، هناك إجراءات واضحة عندما يتعلق الأمر بالعنف الجنسي ضد القاصرين، وبالتالي فإن الشرطة لديها التفويض للتدخل،الشيء الوحيد الذي يمكننا القيام به هو العمل بشكل وثيق مع الحكومة لدعم هذه العمليات.”
ورداً على سؤال حول تقارير تؤكد استخدام مسؤولين حكوميين محليين وعمال إغاثة مناصبهم لاستغلال الفتيات والنساء السوريات، تحذر
“لسوء الحظ، هذه الظروف تحدث في أي حالة طوارئ يحدث الاستغلال وسوء المعاملة من قبل مقدمي الخدمة، ليست حالة استثنائية. واجبنا هو التأكد من وجود ضمانات وآليات شكوى تدخل حيز التنفيذ مع اتخاذ التدابير التصحيحية. نحن لا نستطيع منع هذا من الحدوث، ولكن يمكننا محاولة التأكد من أن هؤلاء النساء والفتيات لديهن الإمكانية لإتخاذ ما يلزم “.
لكن وفقا لعناني، هذه المبادرات تحتاج وقتاً طويلاً للتنفيذ، وتأتي في وقت متأخر جدًا في خضم الأحداث.
“فقط خلال هذا العام تمت مناقشة جادة عن كيفية التعامل مع هذه الحوادث بشكل أفضل، الاستجابة تأخذ وقتاً طويلاً في الوقت الذي ينبغي به التحرك على الفور … الاستغلال الجنسي والدعارة القسرية أصبحت بالفعل عملاً منظماً وأضحى من الصعب التعامل معها ”
البديل مع عدم وجود حلول
في حين لا تزال هذه المبادرات في مراحل التخطيط، لا تجد بعض الأمهات السوريات خياراً سوى اللجوء إلى الزواج المبكر من أجل التخفيف من خطر العنف الجنسي فضلاً عن المشاكل الاقتصادية.
تقول كيسيا علي، أستاذة الأديان في جامعة بوسطن والمتخصصة في قضايا العنف القائم على نوع الجنس
يبدو أن النساء والفتيات تتعامل مع حالات الأزمات كمسألة اختيار أهون الشرين”
ويبدو لي أن معظم الناس في هذه الحالة تقوم بأفضل ما في وسعهم في زمان ومكان ضعيفين وهشين للغاية، ويقعن في بعض الأحيان ضحايا للزواج المبكر تفادياً للوقوع كضحايا للتحرشات الجنسية”
الصورة: أمل، لاجئة سورية تبلغ من العمر 17 سنة من القصير، كانت متزوجة قبل عامين. زوجها توفيبسس الأحداث، تحمل ابنها البالغ من العمر سنة واحدة، إبراهيم، وتسكن في مدرسة بالقرب من بلدة عرسال. (نادين مظلوم)