الصفحة الرئيسية / تجريب / تاريخ من لا تاريخ لهم – ٦

تاريخ من لا تاريخ لهم – ٦

أحمد سويدان

 

 

الأربعاء 16/1
أبواب المهاجع مغلقة. استدعى مدير السجن شاويش الجناح. هدد بإنزال عناصر الشغب إلى الزنازين. رد الشاويش بأن حمل السلاح أو التهديد به ممنوع منعاً باتاً. قال المدير إنه سيستمر في إغلاق المهاجع. بل – إذا لزم الأمر – سيقطع التيار الكهربائي.
إننا نترقب وننتظر. صباح هذا اليوم ينتهي إنذار أمريكا للعراق والجميع هنا على رأيين رأي يؤيد الحرب وبلا تراجع ضد الرجعية والأمبريالية، والصهيونية والقاعدة المتقدمة اسرائيل، ورأي يؤكد أن الحرب مغامرة وهي غير مضمونة، وربما يتم بواسطتها تدمير العراق وتدمير التطلع العربي نحو الوحدة وتكون تمهيداً لاستسلام عربي لإسرائيل ولأمريكا، وتتم السيطرة التامة على النفط العربي وإحكام القبضة على العرب . إن الرأيين ليسا مع المواجهة، لأن هذه المواجهة الآن وفجأة وبدون إعداد ولا تمهيد تصب في مصلحة الأمريكان وإسرائيل.
هناك شك صارخ بصدام حسين، الكل يجمع على رعونته وعلى فرديته وعلى بطشه الداخلي، وغموض أهدافه.
التقارير الإعلامية تضخم من قوة العراق، وهذا تمهيد لضربه وتحطيمه. لقد راكمت الهزائم أمام اسرائيل والإنحناء الذليل أمام الأنظمة القامعة والعميلة في اللاوعي العربي تواكلاً، وذلاً، وتخاذلاً. ولا نثق بأنفسنا، ولا بحكامنا، ولا يمكن أمام هذا البغاء السياسي أن يكون أحد جاداً في ملاقاة أمريكا أو إسرائيل فهذه العنتريات الفجائية لا تبشر بخير. الأمر بحاجة لإعداد مديد والتذرع بالصمت والكتمان وعدم التبجج. إننا نترقب بدء المواجهة بين لحظة وأخرى.

 

الخميس 17/1
نمت العاشرة. قلت: إذا بدأت حرب الخليج أيقظوني.
كانت قد بثت وكالات الأنباء مناشدات البابا والأمين العام للأمم المتحدة. في الساعة الثالثة والنصف أيقظني جاري م. ع وهو شاب من قرية الهنادي محافظة اللاذقية مواليده 1961. عندما اعتقل كان في الواحد والعشرين، قال، وهو يهزني: انهض أيها الختيار لقد بدأت الحرب، بدأت منذ ساعتين. وعندما نهضت جاء بإبريق المياه الساخنة ونقع نبات المتة، وأشعل سيجارة له وأخرى لي “أنا لا أدخن. لكنني أُنفّخْ بين يوم وآخر.” البقية من نزلاء المهجع في سبات عميق، “عددنا في المهجع سبعة عشر”.
الإذاعات التي كنا نسمعها في مذياعنا الصغير المتواضع هي: إذاعات إسرائيل ومصر وسورية. إذاعة العدو وكالعادة تبث سمومها، وشماتتها، أما الأخريتان فتتكمان بنبرة مرتفعة عن بدء تحرير الكويت.
لو أن اعتداء العراق على الكويت عولج عربياً، وتقرر التحرير عربياً لكان الأمر عادياً ويدل على أن العرب من خلال جامعتهم لديهم الإرادة، والقوات، والأموال أن يردعوا المعتدي على الشرعية الدولية، ويردوا كيد كل طامع ومغامر. ولكن الأمر غير ذلك وهذا هو المشين في الأمر. هناك غزو عراقي للكويت، هذا صحيح، ومخجل، ولكن هناك غزو أمريكي حقيقي لجزيرة العرب باسم تحرير الكويت. إذاً هناك غزو أدنى عربي الهوية. كان سبباً للغزو الأكبر الدولي تقوده الأمبريالية الأمريكية لتشديد القبضة على الأنظمة العربية، وللسيطرة على النفط والخليج. هذا يدل على ضعف وتفتت الأنظمة الحاكمة العربية، وأنها جميعاً ترقص على أنغام الجاز , وأن أمن الوطن العربي لا يهمها. يهمها الاستمرار في الحكم القامع كسلالات ملكية، ودكتاتوريات شبه مؤبدة على حساب أمن الوطن، وأمن المواطن.

 

الجمعة 18/1
إسرائيل تُضرَب بالصورايخ العراقية وقد وصل المدى إلى تل أبيب وحيفا وصحراء النقب.
استيقظنا جميعاً الساعة السادسة، ولم نكن قد نمنا قبل الثانية . هنأنا بعضنا، وبتنا ننتظر موقفاً وطنياً من سورية ومصر المتحالفتين مع قوات التحالف بقيادة أمريكا. تصورنا أن إسرائيل ستهاجم الأردن، وتنطلق لمواجهة العراق وعندئذٍ ماذا يكون من سورية أو مصر؟
إن ضرب إسرائيل له مدلول سياسي، وسيحدث مفعولاً نفسياً في الشارع العربي كما يؤلب هذا الشارع ضد مصر وسورية والسعودية . مما يضعف التحالف مع أمريكا، وخاصة إذا تدخلت إسرائيل، وجرى استفزازها السؤال الملح : هل تدع أمريكا هذا العزف السونفوني المحكم يفلت من زمامها ؟ .. إن هذه الدولة التي أصبحت أعظم دولة وأقوى دولة والأثرى في العالم، وهي دولة مؤسسات عملاقة، ومحسوبة الخطوات من قبل آلاف فرقاء العمل والدراسات. هل تسمح لعقلية مغامرة وفردية أن تُخَرْبِط حجرة من رقعة الشطرنج؟ أشك في ذلك.
هل تتحول الحرب من حرب أمم متحدة ضد العراق إلى حرب أمريكية صهيونية ضد العرب ؟ .. وتخسر أمريكا العرب والشارع العربي، وتصبح الأنظمة مهددة ؟ .. عمّ الفرح جميع مهاجع الجناح.
فتحوا أبواب المهاجع. لكنهم كانوا قد رفعوا جداراً بين الجناحين .. وتركوا كوة – من خلالها تجري الأحاديث بين نزلاء الجناحين . وفحوى الأحاديث : إن الحرب ستتسع رقعتها .. هذا كان تصور الجميع، وهي مرحلة من مراحل الصراع العربي الإسرائيلي.
إن الغرب وأمريكا لم يعملا شيئاً منذ تأسيس الدولة العبرية بشأن انتهاكات الأخيرة لقرارات الأمم المتحدة، وهدف المستعمرين حماية إسرائيل، وتدعيم تفوقها العسكري والذري، والاقتصادي .. فإذا تدخلت أو دخلت إسرائيل هذه الحرب زال التمويه عن الحكام العرب، وانكشف الغرب الدجّال.
إننا نبدي تخوفنا على العراق من هذه المغامرة الكبرى . إننا كذلك نكبر الوقفة – اللهم إذا كانت صادقة – ضد أمريكا والرجعية السعودية وإسرائيل.
وهذه الصورايخ التي تسقط على تل أبيب أنهضت قامة المواطن في العواصم العربية، والتي أذلتها الحقبة السعودية بالرشاوى لأجل المزيد من إهراق الدم الفلسطيني واللبناني في الحرب الأهلية.
هل تحمل بلاد الرافدين مشروعاً عربياً تحررياً ؟ .. لولا قيام الحرب الإيرانية التي خدمت السعودية وأمريكا وإسرائيل لقلت نعم .. لكن قيام تلك الحرب من قبل نفس المسؤول العراقي تجعلني أشك.

 

السبت 19/1
الذهول من الحرب وتطورها يهيمن علينا جميعاً. وزاد ذهولنا وبهجتنا ونحن نتناول الإفطار نقل الإذاعات لوقوع الصواريخ على تل أبيب والقدس اليهودية.
استأنف مدير السجن إغلاق المهاجع، وقال إن العقوبة مستمرة.
من الممكن أن تتطور هذه الحرب .. وصول صواريخ العراق إلى عمق الأراضي في الدولة الاستيطانية أمر بالغ الأهمية، نتصور أن تَتحَوّلَ الحرب إلى حرب برية لا تحقق لقوات التحالف نصراً سريعاً.
فإذا طال أمد الحرب، وإذا دخلت إسرائيل المَعْمَعة فإن هذه الحرب تصبح حرباً وطنية، وعندئذٍ سيضغط الشارع في كل من سورية ومصر ويهدد نظامي الحكم. مِنَ الممكن أن يدخل الحرب إلى جانب العراق ؟ .. المرشح الذي نراه أهلاً هو دولة إيران .. هذا من الدول الإسلامية، أمّا من الدول العربية اليمن، وكذلك الجزائر. هذا يتوقف على دخول إسرائيل الحرب.
هل العراق صادق عندما يقول إن تحرير الجزيرة العربية هو الهدف، وليس فقط الكويت . تظاهرات الشارع العربي والشارع الإسلامي يجب أن تدفع العراق للتقدم نحو الصحراء السعودية .. هل بدأ تثوير المنطقة ؟ .. كل ذلك يتوقف على إطالة أمد الحرب، وعلى صدق وصمود العراق . إن مشروع مواجهة أمريكا وإسرائيل هو مشروع نهضوي وكبير. إنه يذكّر بمواجهة محمد علي للغرب، وللدولة العثمانية. الإنسان العربي يعيش حالة الصدمة. لقد سلبته الأنظمة بداهته، وسلبته الصهيونية شجاعته، وسلبته أمريكا القدرة على الوقوف . هذه الحرب إذا طال أمدها وتخلى النظام العراقي عن زوغانه، ودخلتها إسرائيل ستوقظ الشارع، وتوقظ الضمير، وستودي بالحقبة السعودية.

 

الأحد 20/1
نتمنى أن تكون الحرب غير خاطفة . خبراء الحرب الغربيون يقولون إنها خاطفة. ونتمنى أن يكون النظام العراقي صاحب مشروع. تقول القيادتان السياسيتان في قطري مصر وسورية أن قائد العراق يمثّل . يؤكد العراق من إذاعته أن الحرب ومنطق القوة هما الأداة الوحيدة لاقتلاع دولة الاغتصاب وإسقاط أنظمة العمالة.
نتائج هذه الحرب إما أن يبدأ العرب بالظهور من أجل توحيد صفوفهم أو أن تسود أمريكا وإسرائيل.
وضعنا النفسي في المهجع متوتر .. صمود العراق يهمنا فهو صمود للأمة .. يهمنا توسيع رقعة الحرب، وإن دخلت إيران فالمستجدات كثيرة .. ولكن الثقة بحاكم العراق قليلة.
ننتظر المزيد من الصورايخ على إسرائيل . هذا الصباح سقط منها على تل أبيب، وعلى القسم اليهودي من القدس، فهللنا وارتفعت معنوياتنا.
موقف هذا النظام يقترب من مواقف أبناء كامب – ديفيد.
إن الأمل بالإفراج يزداد لدى كل السجناء.
استمرار الحرب , توسيع رقعتها , دخول إسرائيل, صدق النظام العراقي فيما يقول , كل ذلك سيكون سبباً في اليقظة لدى شعبنا، وعندئذٍ لا بد من سقوط الأنظمة المتحالفة مع أمريكا.

 

الإثنين 21/1
سمعنا من الإذاعات أن رئيس الإتحاد العالمي للصحافة طلب من رئيس اتحاد الصحافيين السوريين صابر فلحوط الإفراج عن الصحافيين المعتقلين في السجون السورية منذ سنوات وتحت وطأة ظروف صعبة وسيئة.
رد فلحوط بالقول: أن ليس لديه أدنى علم بوجود صحافيين معتقلين , وإن النظام الحاكم في سورية يحترم الرأي الآخر! ولا يعتقل أحداً لرأيه السياسي؟!
إنه كذب وقح، وصريح .. هكذا الاستبداد يعلم الناس الكذب والنفاق والزلفى . هناك آلاف المعتقلين يقبعون في السجون السورية بسبب رأيهم السياسي، منهم من فُقد ومات تحت التعذيب، ومنهم من ينتظر لقاء ربه، وهم بلا زيارات، ودون محاكمة، ودون أدنى معرفة من قبل أهلهم أين هم.
وقعت الصواريخ العراقية على المنامة، والرياض، والظهران .. طالب غورباتشوف بغداد بالانسحاب من الكويت فوراً.
ردت بغداد عليه متسائلة: – لماذا المناشدة لا تكون إلى بوش؟
الواضح أن “إعادة البناء” بقيادة غورباتشوف تعني الوقوف مع إسرائيل وتسهيل الهجرة والتحالف مع الصهيونية، وتفتيت الاتحاد السوفييتي والتخلي عن العالم الثالث . إن الشعب السوفياتي قدم التضحيات الكبرى من أجل معارك التحرير، وهو لن يسكت عن هذا الموقف البازاري في حرب الخليج.

 

الثلاثاء 22/1
ما يسمى بالمنظمات الشعبية في بلدي هي عكس تسميتها. هي لا تمت إلى من تمثلهم بصلة . هي معادية، ومنافقة .. هكذا اعتادت، وهذا الإفراغ لها من مضمونها يعود إلى صدور القانون (91) تاريخ 5/4/1959 الذي حل محل قانون العمل رقم 279 لعام 1946، ولاغياً إياه والذي:
– ألغى حق الإضراب.
– حرم على النقابات الاشتغال بالمسائل السياسية، وتخويل وزير العمل حل النقابة.
وما ينطبق على النقابات ينطبق على اتحاد الصحفيين، واتحاد الكتاب.
إن (43) كاتباً تابعين لاتحاد الكتاب العرب في سورية أصدروا بياناً يعلنون فيه وقوفهم ضد الإمبريالية وأمريكا وإسرائيل، وأنهم مع الشعـب العراقـي وصموده، ومن هؤلاء الكتاب سعد الله ونوس وممدوح عدوان وهاني الراهب، وبو علي ياسين وميشيل كيلو.
رد رئيس الاتحاد على بيانهم، وكأنه لسان حال الدولة، وسفّه بيانهم .. هكذا هي المنظمات الشعبية .. تعيش حالة من البؤس والركون.

 

الأربعاء 23/1
أبواب المهجع في كافة السجن مغلقة. منذ اغتيال أبي إياد، وبسبب الحرب . البارحة ليلاً طاف ضابط الصف المناوب. دقق وهو يمشي في الممر مع عساكره مفتشاً عن الأسلاك الدقيقة التي تساعد أجهزة الراديو على التقاط الإذاعات البعيدة، والتي تنخل البث من التشويش. عثر على بعض من هذه الأسلاك وقطعها بالبانساء .. الإدارة قلقة، وكذلك الحراس، وهذا القلق ينعكس على وجود عساكر الدوريات التي تطوف ممرات المهاجع.
عددنا في المهجع سبعة عشر نزيلاً .. ينام كل واحد على مساحة عرضها يبلغ قرابة المتر . أنا أكبر الجميع عمراً (مواليدي 18/12/1935) لقد دخلت منذ شهر السادسة والخمسين .. أصغرنا من مواليد 1961. بيننا دكتـوران أحدهما في الزراعة من قرية (مزار قطرية) في محافظة اللاذقية وهو منذر خدام والثاني في الإقتصاد الدولي من قرية (تبنه) في حوران وهو سامي صعوب الخريج الأول من بلغاريا، والخريج الثاني من جامعة موسكو. وهناك مهندسا بترول الأول هو سلطي الحوش من (إزرع) والثاني محمود عامر من (شمسين) التابعة لحمص، وكلاهما تخرج من باكو عاصمة أزربيجان.
وهناك ثلاثة مدرسين من بينهم عبد القادر استنبولي من السلمية اختصاص (ر. ف. ك) والمدرس اختصاص أدب عربي هو عبد الكريم الشيحاوي من السلمية. ويوجد طبيب يحمل ثلاث مواد من السنة الأخيرة هو اسماعيل استنبولي شقيق عبد القادر، وهناك أربعة معلمين للمرحلة الابتدائية بينهم محمد الحموي من السلمية، وهناك موظفان، وعامل ميكانيك، ونجار خريج معهد إعدادي.
هذه العينة منها من اعتقل منذ شباط 1980، ومنها من اعتقل في أيلول عام 1981 وهناك دفعة اعتقلت في نيسان 1982، وأخرى في صيف عام 1983.

 

الخميس 24/1
إغلاق باب المهجع، وحديث الحرب. بعثا ضيقاً في النفوس. كنت قبل هذه المدة قد اخترعت باصاً وهمياً لنقل الركاب المستعجلين، والذين لم يعد لديهم صبر على التحمل. وتطور مفهوم الباص إلى أبعاد أخرى .. وصار الركاب يطالبون بوسائل الراحة كي يكونوا في عداد ركابه .. يطالبون بصالون حلاقة، بمنافع .. ببائع شكلس، وراح شخص يوزع الاختصاصات على النزلاء الذين هم بين لحظة وأخرى سينطلقون في هذا الباص. هذا سائق. وذلك مراقب انضباط، وآخر دليل، وآخر ينفخ الدواليب ويلبطها ليعرف أنها جاهزة .. وكان دوماً هذا التوزيع يتناسب مع الشخص .. لتتلبسه المهمة وأطرف النزلاء الذين يرفضون الركوب في الباص، ويجادلون، ويدَّعون أنهم الأعقل والأمتن، والأكثر جدية، وأن التندر بالباص، وإركاب النزلاء فيه شيء لا يليق بالسجين السياسي الذين يعتقدون أنه الذي يجب أن لا تحط قيمته بهذا المزاح، وهذا اللغو !! ومثل هؤلاء كنت أجادلهم مازحاً بضرورة الإقرار بركوب الباص .. لأنهم كما يقولون، وبعصبية , أنهم لا يمكن أن يركبوا، وكذلك يرفضون المهمات المنوطة بهم . من كوى المهاجع نهاراً أو ليلاً كان السؤال إليَّ عن مصير الباص في هذه الحرب، وفي حالة إغلاق المهاجع، وهل ما زال نايف العبد (مدرس فلسفة ومن قرية طيسيا الواقعة جنوبي بُصرى الشام قرب الحدود الأردنية) يرفض نفخ الدواليب ولبطها ” المدعو نايف كان يحتج على هذه المهمة لأنها كما يفهم من لهجته لا تليق بمدرس وسجين سياسي ” .
من مهجعه، وعبر الكوة يرد على السائلين، وبنبرة حادة:
_ رجاء .. ليس من مزاح بيني، وبينك
أرد عليه، والمهاجع القريبة تسمع:
– مهمتك من الأعمال الشاقة يا نايف .. مثل عمال المناجم .. أنا أقدر لك ذلك. وفي آخر الشهر سوف أعطيك تعويض طبيعة عمل.
ويمتلئ الممر ضحكاً .. هكذا نحاول بالمزاح، واختراع الأوهام، وتشخيصها نطرد التوتر عنا وكذلك نحارب الضيق .. ونهِبُ وجودنا طاقة من التحمل.

 

الجمعة 25/1
انشطر الإعلام العربي إلى معارض للعراق، ومؤيد لموقفها . وكذلك الإسلام الرسمي الذي اعتاد ذلك منذ زيارة السادات للقدس . أفتى قسم منه بالصلح مع إسرائيل، وأفتى قسم ضد إسرائيل وضد الاستسلام لها وها هي المسألة تتكرر مع العراق.
هل محاولة العراق الحالية التي يقول النظام أنها لمواجهة الهيمنة والسيطرة من قبل الأمريكان وإسرائيل. تقترب من محاولة محمد علي أو عبد الناصر؟
عندما حاول محمد علي باشا لم تكن أمريكا قد أطلت برأسها لتتدخل في الصراع العالمي، ولم تكن إسرائيل موجودة . ورغم ذلك اتحدت أوربا برمتها، ودمرت أسطوله، ومنعت سقوط بني عثمان. ودحرت مشروع توحيد أو نواة توحيد العرب من السودان إلى قلقيلية إلى الدرعية.
وعندما أراد عبد الناصر أن يطل برأسه مرفوعاً ضد هيمنة أوربا، وغطرسة إسرائيل. حاول تحييد أمريكا، والاستعانة بها أحياناً .. لقد كانت معه لطرد الاستعمار القديم ولتكون هي وإسرائيل البديل للمشروع التحرري، لذا تم قصمُ ظهر المشروع لصالح المشروع المضاد في حرب 5 حزيران.
محاولة العراق مسلوقة، وثغرتها احتلال الكويت الدولة الرسمية. ومواجهة أمريكا التي قضت على روسيا وألحقتها بها راكعة جائعة .. فهل محاولة العراق تدخل في المشروع النهضوي ؟ .. أم أنها تدمره ؟ .. هذا هو المحير.
نسمع إلى خطباء الجوامع : عمان تدين الإسلام العميل . القاهرة تكفر صدام حسين ومن يقف في صفه.
لقد هدف الرسول من الإسلام إلى تحرير العرب من الهيمنة الأجنبية المتمثلة بالروم والفرس، والأحباش، وتخليصهم من القبلية والإحتراب، وكذلك تحقيق العدل والإنصاف.
طوال الليلة الماضية، والثلج يندف . أملنا أن يسقط النظام هنا. عندئذٍ سيتم إخلاء السبيل.
هذا يتوقف على إطالة مدة الحرب، ودخول إسرائيل المعركة.

 

السبت 26/1
ماذا أقرأ في هذه الأيام ؟ .. منذ أيام أعدت قراءة “بيت الموتى” , حملوها من البيت أثناء الزيارة ومعها رواية “المقامر” . رحلت بحزن إلى ضفاف نهر “إيرتش”.
هناك نقاط مشتركة بين سجننا الذي امتد حتى الآن بين 8 و 9 سنوات و11 عاماً، وبين سجن دوستوفسكي .. السجن واحد في كل أنحاء العالم. كما هو الموت.
كما أنهيت كتاباً جامعياً عن تاريخ الفلسفة العربية للدكتور غسان عبود، وهو أستاذ جامعي يدرّس في جامعة دمشق، وكان قبل ذلك يدرّس في جامعة من جامعات سويسرا له أخ اسمه إبراهيم سجين معنا منذ أوائل أيار عام 1982. وإبراهيم هذا من مواليد 1937، سُرّح عام الـ 70 أو 71 من الجيش وكان برتبة رائد . وعندما اعتقل كان يشغل في الدفاع المدني رئيساً لفرع دمشق.
الليلة الماضية حدث هجوم صاروخي للمرة الخامسة على إسرائيل، وقد وقعت الصواريخ فوق تل أبيب وحيفا . كما حدث هجوم آخر في الساعة العاشرة من صباح اليوم على الظهران والرياض.

عن أحمد سويدان

أحمد سويدان
أديب وصحفي متقاعد من مدينة السلمية، معتقل سياسي سابق لمدة إثنا عشرة عاماً ونصف 1982- 1994. أصدر بعد خروجه من المعتقل ثلاث روايات قصيرة: الزمن العقاري، كذبة نيسان، ومرآة الأنام، حيث تمكن من إعادة انتسابه لإتحاد كتاب العرب، بالإضافة لمجموعة قصصية عن مدينة السلمية بعنوان "خيوط تقطعت".