ميكرفون مُنتقلٌ من يدٍ ليد

هوزان شيخي

 

“إلى أحلام الطاهر، الوحيدةُ التي تَكبُرُ في الممراتِ الرخوة الفاصلة بين عربات القِطار..”

رأيتُ نوح في المنام..
كُنتُ في عامودا، مع أبن عمتي.. لا لا سأخبركِ من البداية..

أتوقع أني كُنتُ في دمشق، مع عمي، على دراجةٍ هوائية، عمي مُهندسٌ عتيقٌ هُناك، خرجنا من بيته بإتجاه المدينة، لم أكن أعرف أين سنذهب، هو يقود الدراجة وأنا جالسٌ على كُرسيٍ صغير خلفه، ووجهي للخلف عكس إتجاه سير الدراجة، والناسُ سُعداء..

وصلنا إلى مكان فيه الكثير من البشر، وفيه شُبّاكٌ صغير، الكل ينتظر دوره على ذلك الشُبّاك، ذهب عمي لينتظرَ أيضاً، وأنا جلستُ هُناك على الأرض، ورقةٌ سقطتْ من مكانٍ ما مِن الدراجة، وضعتُها أمامي وصرتُ أرسمُ خُطوطاً، تعرفين، يقولون دائماً أن الأحلام تكون بالأبيض والأسود، أنا مُتأكد أني كُنت أرسمُ بقلم بُرتقالي، متأكدٌ تماماً، كُل مرةً كُنتُ أرسمُ خطاً بُرتُقالياً كان اللون يختفي في لحظات، لكني مُتأكد.. كان هُناك ناسُ ينظرون إليّ وأنا على الأرض أرسم، أذكرُ أن فتاةً حافيةً اقتربت، ثم أتت أُمها وأخذتها..
مللت، بحثتُ عن عمي، كان لا يزالُ واقفاً عند الشُباك ذاته، ليسَ فُرناً، لم يبقَ في دمشق فرنٌ مفتوح.. وعرفتُ أنه شُباكٌ يشتري منه الناس البصل، أكياسٌ كبيرة من البصل، لستُ مُتأكداً ولكن ربما أخبرني عمي بأنه سيأخذُ البصل إلى جدّي.. أخيراً جاء دوره وأخذ البصل، نظر إلى الورقة التي كُنتُ ارسمُ عليها، غضبَ قليلاً، يبدو أنها كانت وثيقةً مُهمة، لا أدري.. ركبنا الدراجة الهوائية من جديد، كان كيس البصل في حُضني، ووقعنا بعد قليل، لم أتألم، لكننا بدلنا التموضع على الدراجة، رجعتُ للخلف، وبقي البصل في حُضن عمي..

هُنا تحولٌ لا أعرف كيف حدث، هل غَفلتُ في الحلم، هل نمتُ وأنا أحلم، لا أدري..
حين أكملتُ الحُلم، لم يكن عمي من يقود الدراجة، كان أبن عمتي، شابٌ في عمري تقريباً.. ولم نكن في دمشق، كُنا في عامودا، الدراجةُ نفسها، والبصل نفسه، للحظةٍ كان البصل تُفاحاً، لكنه عاد بصلاً لاحقاً..

في عامودا إذاً، مررنا بمقاهٍ كثيرة، واستغربتُ أن هُناك فتياتٍ في عامودا يجلسن في المقاهي، صف طويل مُتلاصق من المقاهي عبرناه على الدراجة، وناسٌ سُعداء بأشكالٍ غريبة يجلسون هُناك.. كان نوح يجلس في آخر مقهى، الأقربُ إلى الخرابات التي بعده، ربما لم يكن مقهى، وليس مطعماً، عدةُ طاولات على الشارع، وهُناك ميكروفون، كُل مرة يُغني واحدٌ من الزبائن شيئاً.. نوح كان جالساً مع شابين، لا نساء في هذا المكان، هو على اليسار، شابٌ مبتسم وكئيب في الوسط، وشاب ثالث على كُرسي مكسورٍ في اليمين، كُنا مُقابلهم تماماً حين بدأ نوح في الغناء، أنا لا أعرفه، أبن عمتي اخبرني أنه نوح، التقت نظراتُنا، هو أيضاً لم يعرفني، ربما عرفني وتغاضى عن الموضوع، كان يُغني حقاً، بكل جوارحه، لستُ مُتأكداً من اللغة، غالباً بالكردي، موالٌ قديم دون موسيقى عن شبابٍ ماتوا للتو.. واكملنا الطريق..

قال لي أبن عمتي السائق بأننا سنعود لهذا المكان، فقط سنمرُّ لزيارة أصدقاءه ونعود، نظرتُ إلى نوح طويلاً، لا يُشبه صورته المغبشة التي وضعها على الفيسبوك من فترة..

حين وصلنا إلى مكان تواجد الشباب عرفتُ أننا سنتأخر، كان هُناك الكثير من الأشخاص الذين أعرفهم، جدلٌ وصُراخ، قلبي ظل مُعلقاً إلى الغناء، إلى تلك الطاولة والميكرفون المنتقل من يدٍ ليد..

في هذا المكان الذي توقفنا فيه، شعرتُ بالعطش، أخذني شابٌ إلى سطح بيتٍ خشبي، لا أعرف أن كُنتُ قادراً على توضيح المشهدِ لكِ،سطحُ البيت على شكل مُثلث، كالبيوت الخشبية في أوربا، لكي تشربي الماء، عليكِ أن تقفي على طرف السقف، والسقف ليس مُثبتاً جيداً، يميل حين تقفين هُناك، حين يميل يجب أن تنحني لتصلي إلى حنفية ماء موجودة في حائط البيت نفسه، فهمتِ الحركة!!.. تخيلي نفسكِ واقفةً على البراد، وتنحنين لالتقاط شيء من داخله، نفسُ المبدأ تقريباً، بالإضافة لميلان السقف، شيءٌ غريب حقاً.. كان معي كأسان بلاستيكيان، بعد محاولاتٍ عِدة، استطعتُ وضع بعض الماء في واحدٍ منهما، وشربتْ، كان مُنعشاً.. من بعيد كُنتُ أسمعُ غناءاً خافتاً لعُرسٍ حزين..

 

 

الصورة: بتصرف عن  Guardian spirit of the waters -Odilon Redon

عن دحنون

دحنون
منصة تشاركية تعنى بالكتابة والفنون البصرية والناس.