مصعب النميري
دحنون
إلا أن هذا اليوم كان ثقيلا ..
ثقيلا ومتعبا …
ولولا ذلك لما تهامسنا على هذا النحو، في آخره
كما لو أن المعركة آذنت بالانتهاء الآن.
لولا ذلك
لتابعنا المشي قليلا، إلى ظل الشجرة، قبل أن نرتمي في عرض الطريق.
لولا ذلك.
لكان لنا جلدٌ على التأفف من حرارة الجو..
من طول هذه الرحلة …
من حِراب الأعداء، التي لم تنغمس بالسمّ كما ينبغي.
….
من الذي جعل السور عاليا
وأدخل اللصوص من الباب؟
….
لا تراها إلا قائمة بين أولادها
تركض
من هذا لذاك
ومن ذاك لذاك.
تكشط القشطة عن وجه الحليب في القدر
وترش عليها سُكّرا
وتدور بينهم.
نزلت صفعة من السماء عليهم، فانفرطوا.
لم يعد ثمة من أحد هناك
كانت تركض بينهم في الصباح
لأنها تخاف أن يتأخروا في الذهاب
والآن تسعى بين المطارح التي بارحوها
لأنهم تأخروا في العودة.
….
يا خال..
أعلمُ أنك ستتأخر في العودة إلى الدار
كما تفعل دائما.
ذلك أنك لا تحبُ الضوضاء
ولا جلد لك على الأخذ والردّ.
يا خال..
يا صاحب الثلثين.
كلّهم نائمون..
لقد حان وقت مجيئك مخمورا.
…
لنبدأ من جديد
هل تذكر غازية
التي اذا فقدت واحدا من أولادها
وجدته على رأس التينة
أو في عراك مع أولاد جدد
يعود بهم إلى البيت بعدها
ثم يخرجون
وسكاكر الفوار في جيوبهم.
….
بالكاد أتوا
ومضوا.
وتفيأ معظمهم، والبعض تسمّر عند الماء.
وراح
وراحوا.
مذ صرت حكيما وأنا تحت الشجرة هذي
أرقبُ أقوماً يرتحلون
إلى أرضٍ أخرى.
يبتعدون ويلتفتون.
ويلتفتون اذا ما همت أن تتوارى القرية خلف التلّ.
تسعة أعشار طريق المرتحلين.. رجوعُ
قد رحل النَّاسُ
ولم أتزحزح .
وظللت هنا، أتفيأ تحت الشجرة.
والشجرة أيضاً
لم تتزحزح
مرّ عليها حكماء قبلي.
ومضوا
والحكمة صارت أحجارا
يتقاذفها الأولاد على باب القرية.
…
أهلي كانوا يفرحون بالضيوف
يُكرمونهم، ويرفعون شأنهم.
أهلي طيّبون، والخير فيهم ما يزال.
لكنّهم يقفون عند مدخل المدينة، اليوم.
ويلوّحون لهم من بعيد
حتّى يعودوا أدراجهم
ويقوموا بالزيارة في وقت آخر
لأن المدينة تحترق، لا أكثر.
…..
لقد حذّرتهم طويلا..
قلت لهم أن الذئاب تأكل الحطب في الغابة
ولن تذر أيا منكم اذا رحلتم فرادى.
لم يسمعوا الكلام حينها
وقالوا: “دعك من هذه التخاريف”
ثمّ ماذا..
ها هي جيادهم تعود لوحدها
بسروج مائلة.