بلغ السيل الزبى … هذا أبلغ مايمكن أن أبدأ به مقالتي هذه والتي قررت بعد تردد كبير، أن أجعلها آخر ماأكتبه على الفيسبوك، هذا الفضاء الذي بات يضغط على روحي، ويأكل من أعصابي.. قرار كنت قد بدأت بالتفكير فيه منذ فترة، وبقيت مترددا حتى وصلت اليوم إلى إحساس بأن مايحدث على الفيسبوك سيقتلني إن لم أضع له حدا.. والقصة بدأت منذ أن نشرت مقالتي بعنوان ( ماذا ستقولون لأولادكم ياأيها الأبواق الصدئة ) والتي تحدثت فيها عن التضليل الإعلامي الذي مارسته بعض الشخصيات الإعلامية السورية، وكذلك قنوات الإعلام الرسمي فيما يخص حادثة قرية البيضة… منذ ذلك الوقت إنهالت علي وعلى زوجتي عزة البحرة، التي نشرت مقالتي أيضا على صفحتها، مجموعة من الرسائل والتهديدات.. رسائل تحتوي من الكلام البذيء و قلة الأدب مايندى له الجبين.. وتهديدات ” ألطفها ” يبدأ برفع دعوى قضائية علي بتهمة إثارة الفتنة؟؟؟!!! ويصل البعض منها إلى التهديد بالأذى والوعيد بالثأر الدموي.. ومابين هذه التهديدات وتلك تردني رسائل تتهمني بالعمالة للأجنبي، وقبض مبالغ ضخمة من الدولارات؟؟؟!!! والحق يقال أن تهمة قبض الدولارات قد أضحكتني كثيرا في وقت كئيب لارغبة لأحد بالضحك فيه، وقد أحلت ” صاحب الدم الخفيف ” ذاك إلى العديد من الأصدقاء الذين ” أنهكتهم ” بعدد المرات التي إستدنت منهم مالا نتيجة لوضعي المالي المهترء اهتراء تلك العقول الفارغة التي ترميني بتلك التهمة الساذجة… كما أني كتبت لصاحب ذلك العقل الخفيف بأن تلك ” الإتهامات الدولاراتية ” ليست إلا نتيجة عقل موبوء تربى في منظومة من غياب القيم نجحت بإفساد الجميع وتحويلهم إلى أرواح مريضة تهدس بالدولارات….
بعد ردي هذا، قررت أن أتوقف عن أي رد، فاللغة التي كتبت فيها تلك الرسائل، كانت من الإسفاف لدرجة إرتأيت أنها بالفعل لاتستحق إلا التجاهل.. وكي أكون صادقا فقد وردتني رسالة كنت أتمنى الرد عليها، إلا أنها وصلتني من عنوان محجوب لايعطيني إمكانية الإجابة عليه… وكان ذلك من شخص صب علي جام غضبه برسالة نارية يقول فيها – إلى جانب الشتائم – أنه إبن عم نضال جنود الذي تم قتله بطريقة وحشية، ويهدد ويتوعد بأن دماء نضال لن تذهب هدرا… وهكذا فإني وقتها لم أستطع الرد على عنوان محجوب، وبما أني قررت حينها عدم الإستمرار في الردود، فقد بقي ماكتبه ذلك الذي يقول بأنه إبن عم نضال جنود بدون رد مني…. ولكني سأستغل مناسبة كتابتي اليوم لأعود للحظة إلى تلك الرسالة وأقول بشدة ووضوح، أن قتل نضال جنود كان جريمة همجية ولاإنسانية، وبأنه يجب ملاحقة المجرمين وإنزال أقسى العقوبات القانونية ليس بقتلة نضال فقط، وإنما بكل من قتل مواطنا سوريا، سواء كان مدنيا أو عسكريا، فأمام الدم السوري المراق، يصبح لزاما على الجميع أن يتعالوا فوق الخلافات بين معارضة وموالاة، وأن يطالبوا جميعا بقطع كل يد قتلت أي سوري بغض النظر عن الصف الذي كان يقف فيه هذا الشهيد أو ذاك….
أتوقف هنا لأنتقل إلى السبب الذي يحدوني اليوم للكتابة، والذي كذلك يجعلني أقول، بأنها المرة الأخيرة التي سأكتب فيها في فضاء الفيسبوك… إنه البيان عن أطفال درعا، والذي وقعت عليه ضمن مجموعة من المثقفين السوريين من كتاب وفنانين وصحفيين وآخرين.. إنها تلك الحملة المسعورة التي تم شنها ليس فقط من بعض وسائل الإعلام، وإنما أيضا من فنانين وفنانات، وصلت لهجة البعض منهم في كيل الإتهامات إلى درجة من الإبتذال المخزي، ودرجة من العدائية غير المسبوقة، مايجعلك مذهولا لكم الشر الموجود في قلوبهم، وأؤكد هنا على الشر، فالموضوع يتعدى الإختلاف بالرأي، ليصل إلى شر متأصل في نفوس البعض من هذه الأصوات، التي تكاد تقترب من المطالبة بمحاكمة ” الخونة” ؟؟!!! أصوات تمضي في غيها، فلا تكتفي بمصادرة الوطن لنفسها، بل تنتقل للحديث عن العيب، متجاهلة أن ذلك مردود عليهم، فالعيب هو تخوين الآخر لأنك مختلف معه بالرأي.. والعيب هو إستعداء الحكومة والشعب والأرض والسماء على أناس وقعوا على بيان أنت غير موافق عليه.. والعيب أن تطلب من الآخر أن يقول ماتراه أنت صحيحا، أو فليخرس ؟؟؟!!! ماهذه الألفاظ، وماهذا المنطق في إقصاء الآخر ؟؟؟!!! هل يصدر مثل هذا الكلام المنكر عن فنان أم جلاد ؟؟؟!!! هل أنتم الحاكمون بأمر الله في هذا البلد حتى تكمون الأفواه ؟؟؟!!! هل هذه هي القاعدة التي سينطلق منها الحوار في بلد يعيش أزمة تتطلب الحوار بين أبنائه؟؟؟!!!….
في كل الأحوال، أنا لن أنصب نفسي متكلما بإسم أحد من الموقعين، وسأكتب ممثلا لشخصي فقط، وذلك كي لايخلق إنطباع الحرب بين جهتين، وعليه فإني أقول التالي: فلتعلموا أيتها الأصوات الناشزة بأني كنت ضمن حملة ( 24 مليون إدانة لمن يمد يده لأية جهة خارجية طالبا مساعدتها ضد سورية… سورية للسوريين والسوريات فقط )…. فلتعلموا يامن تمنعون “صكوك الوطنية” عن الآخرين، بأني كنت من أوائل الذين إنضموا إلى إدانة أول هجوم على وحدة للجيش السوري في نوى، وفي التأكيد على كون جيشنا حرمة لانقبل المساس بها… كان ذلك قبل كل هؤلاء الذين يريدون اليوم إستعداء الجيش على من وقع البيان…. فلتعلموا يامن تذكروني بمحاكم التفتيش في عصر الظلمات، بأني ساهمت بفاعلية ضمن حملة ( المطالبة بإصدار قانون رادع بتجريم الطائفية وإعتبارها خيانة عظمى… مهما كانت مطالبنا وطموحاتنا، لا للفتنة المذهبية، كلنا سورية )… وأعقبت ذلك بمقال نشرته بعنوان ( ياأبناء الأديان والطوائف، لاتطلبوا صداقتي )…. فلتعلموا أيها المزاودون أني كتبت في مكان آخر ( لايتوهمن أحد أن أمريكا أو الغرب يمكن أن يتدخلوا لمصلحة شعبنا، فهم ليس لديهم أصدقاء، بل لديهم مصالح فقط، وضمن مصالحهم تلك يتعاملون مع بلادنا)…. إلى كل هؤلاء أقول: أنا ثائر موسى – المعجون من كل تلك القيم والآراء المذكورة أعلاه – تعاطفت مع أطفال درعا، الذين وعلى مدى ستة أيام، لم يتفضل أي مسؤول في الحكومة، ولاأي وسيلة إعلامية سورية، بإعطائنا أي خبر عنهم، بل كانت كل الأخبار تتحدث عن إحكام الجيش لقبضته في تطويق مدينة درعا، وعن ملاحقته لعصابات منتشرة في مختلف أنحاء المدينة، وكانت تلك الأخبار تتحدث إما عن إعتقالات لمخربين، أو شهداء للجيش.. وهكذا في ذلك الجو الحربي، الذي لم تتحدث عن غيره وسائل إعلامنا السورية، فإني كمواطن سوري شعرت بالقلق والتعاطف مع أولئك الأطفال من بلدي، ومن درعا بالتحديد، تلك المدينة التي ، كما أقول دائما، ندين لها بكل ماوصلنا اليوم إليه من حراك سياسي وإجتماعي.. نعم تعاطفت معهم ولست نادما على ذلك.. تعاطفت مع أطفال درعا كما تعاطفت من قبلهم مع أهالي شهداء الجيش في نوى، وكما تعاطفت مع أهالي كل سوري سالت دماؤه على أرض هذا الوطن الحبيب… فهل في هذا التعاطف مع الأطفال مايعيبني؟؟؟ ألا تخجلون من نفوسكم أنتم الذين تخونونني لأني وقفت في لحظة مناديا، مع الذين وقعوا، للإنتباه إلى ذلك الطرف الضعيف في ساحة من الرصاص المتبادل، والأجواء المليئة بالتوتر والمجهول ؟؟؟!!! أترك الجواب لكم، مع نفوسكم، ومع ضميركم … أما عن ضميري، فإني مرتاح لما فعلت، ومتأكد أننا بتعاطفنا مع أطفال درعا، لم نقترف ذنبا، ولم نرتكب جريمة ، وبالتأكيد فإننا لم نخن وطننا… في الختام أقول لكم، بأنكم بالفعل أنتم من جعلني أحسم أمري بالإنسحاب من فضاء الفيسبوك، فأنا أرى – ويالشديد أسفي – أن الحوار لغة مفقودة في بلدي، وأن تخوين الآخر أسهل عليكم من شربة ماء… أنتم جعلتموني أتيقن بأن ماكنت أعول عليه من خطاب حضاري بين أهل بلدي، ماهو إلا وهم خدعني، فظننت أن الفيسبوك مكان مستقل للجميع، نسمع فيه الآخر، نختلف معه أو نتفق، ليس مهما، بل المهم أن نتحاور واضعين نصب أعيننا أننا أبناء وطن واحد مهما إختلفنا، وأن سوريا الحبيبة تتسع للجميع… لاسامحكم الله على ماتقترفون من تجييش للسوري ضد أخيه السوري… ملعون كل من يروج للكراهية بين أبناء بلدي.. ومادام الحديث عن الأطفال، فلابد لي من القول بأني أرثي لحال أولادكم الذين سيربون مع تلك القلوب الكالحة، وتلك النفوس المنخورة بالكره… وأرثي لأرواحكم التي تتآكل بحقدها، وتعيش عمرها رفيقة الضغينة، وتموت وهي لاتعرف للحب مطرحا، فالحب والشيطان لايلتقيان، وأنتم قد بعتم روحكم للشيطان
السوري حتى العظم
ثائر موسى
ثائر موسى
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.