ورقة التين
ورقة التين

كشكول

مصعب النميري

 

عمتم مساء.

ليس مهما إلى ذلك الحد أنها كانت تمطر. الماء الذي تلقيته حين دخلت السيارة في البركة جاء كالصفعة.
لو لم أكن موجودا هناك لكانت ستنتهي إلى أن تكون صفعة خائبة في الهواء، لكن القدر لم يكن يريد ذلك. القدر يعرف أن يأخذني إلى المكان المناسب لكي أنصفع فيه.

أنا من مدينة بعيدة. لا أعرف كم هي بعيدة عن مكان من يقرأ هذه الكلمات، لكن لا بأس بقليل من الغموض. مدينتي بعيدة وأتيت إلى هنا دون سبب وجيه. جئت عبر “طبربور” ركضاً، ثم عرفت أن الذهب كان مدفون تحت قدميّ. وأنا الآن أقف مبهوتا والدم لا يتدفق إلى رأسي لأني أشد الحزام على خصري جيداً، واسمي كشكول.

كنت في السابق أستيقظ في الفجر وأذهب إلى الحقل وأقطف تينة، التين يخرج منه سائل أبيض يشبه الحليب.
وعلى سيرة الحليب، سأكون مهذارا، هناك شعوب تقول عن الحليب حليب، وشعوب أخرى تقول عن الحليب لبن،
أي أن هناك اختلاف في مقاصد الناس عند لفظ الكلمات ذاتها، لذلك فإني أحسن النية في أغلب الأحيان وأبتسم في وجه من يقول لي: أنت مغفل.

ذات مرة قال لي أحدهم حين قطفت تينة وذهبت لغسلها: “لا تغسل التين قبل أن تأكله يا مغفل”. وحين أكلتها وتراجعت أن أكل تينة أخرى غير ناضجة ورميتها في القمامة، قال لي ذات الـ (أحدهم): “لا ترمي التين الذي لم ينضج في القمامة يا مغفل، ارمه في الساقية، وهي بدورها ستأخذه إلى أرض قريبة، والأرض تعرف شغلها آنذاك”.

البارحة كنت أفكر في أن اليوم الذي سبق البارحة كان شبيها به إلى حد كبير. فكرت أيضا أن الساعات هي الركوب التي نمتطيها إلى النهاية، وهي تحملنا إلى هناك بلا هوادة.
وقلت في نفسي بعد أن فكرت جيداَ: يبدو أنه لا فائدة من التعويل على هذه الأيام المتشابهة مثل أعواد الكبريت، ويجب أن نستعمل السياط لضرب الساعات التي نمتطيها، حتى نصل إلى النهاية في أسرع وقت ممكن.

كنت أستيقظ عند الفجر وأسمع صياح الديكة، وأذهب إلى الحقل. يا ما رأيت أفاعي في ثقوب الجدران وتعلمت أنني إذا أردت تسلّق الجدار، فيجب أن أعرف في أي ثقب تنام الأفعى.

وعرفت من التينة التي أمسكتها وعصرتها بيدي أن ليس كل ما كان أبيض سيكون حليبا، لقد تذوقته وكان شديد المرارة.

وعرفت من الديك الذي يخرج من قنّه ويصيح مع خيط الضوء الأول، أن من يكرر قول الشيء ذاته يتعود الناس عليه مع الوقت ولا يعودون يسمعونه.

وعرفت ما الذي يجب أن أفعله بالتينة التي لم تنضج بعد من الآن فصاعدا.

لكني في الحقيقة لم أعرف حتى الآن من هو الذي وضع ملعقة من اللبن في سطل الحليب الأول، وألقى وشاحا على الكلمات حتى تلتبس علينا

 

عن مصعب النميري

مصعب النميري
كاتب سوري مقيم باسطنبول، حاصل على شهادة البكالوريوس في إدارة الأعمال. له نصوص شعرية غير منشورة بعد.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.