عشت يومين كاملين

مساء الخير، بل ربما صباح الخير لا أعرف تحديداً متى ستقرؤون هذه الرسالة لذا من الأفضل أن لا أقول شيئاً. اسمي ماهر عصمت حسن قد تظنون أني واثق جداً من ذلك، لكني في الحقيقة أشك كثيراً، على الأقل في أسمي الأول. تبدأ القصة في موت أخي الأكبر بعد يومين من ولادته. ليست المشكلة في موته ولكنها في اسمه الذي ورثته عنه (ماهر) ليتحول إلى لعنة علي، فاقداً إياي شعوري بالوجود. قد يبدو الأمر شكلياً وتافهاً في نظركم. ولكنه مفجع بالنسبة إلي. أنا الذي تحتل روح أخي جسدي أقلها في لاشعور أمي. ففي الحقيقة أنا لم أعش كوني أنا سوى يومين فقط مثل أخي الميت أما باستثناء هذين اليومين فقد عشت حياتي بوصفها حياته التي أجسد احتمالاتها. فحين نطقت كان هو من نطق وحين دخلت المدرسة سالت دموع أمي لأنه هو من دخل المدرسة وحين نجحت وحين عملت وحين تزوجت وهكذا دواليك.

 في المحصلة أنا لا أعيش حياتي إنما أكمل حياته فهي الأخرى ليست ملكي مثل أسمي. فلنفترض إن أخي لم يمت لبقي محتفظاً باسمه ولكان لي أسمي الخاص، لا أعرف ما كان سيكون ولكنه على الأرجح أسم اخي الذي يصغرني، إذاً فهو الآخر لايحمل اسمه إنما أسمي ولا يعيش حياته وإنما حياتي، وأخي الذي يصغره أيضاً يحمل أسم هذا الأخير ويعيش حياته. وهكذا إلى ما لانهاية إذ أردنا الاستمرار.

 غير إن الكارثة تكمن في أني لست متأكد أيضاً إن كان أسم أبي اسمه وإن كانت حياته حياته وكذلك أجدادي وصولاً الى أولاد آدم، ولتفهموا ذلك يكفي فقط قراءة سفر التكوين إصحاح 4 الآية 25 “واضطجع آدم مع زوجته أيضاً فولدت له ابنا ودعت اسمه شيثا لأنها قالت:قد أقام الله لي نسلاً آخر بدل هابيل لأن قايين قتله”. حتى وإن كان اسمه شيثا فهو هابيل وماعليه سوى أن يعيش حياة هابيل عوضاً عن حياته أقلها في لاشعور حواء. وهكذا فإن هذه الحلقة المفقودة (هابيل) في السلالة الآدمية قد أحدثت اضطراباً وجودياً لا يشعر به إلا من هم على تماس مباشر مع حلقة مفقودة أصغر من أمثالي وأنتم أيضاً لستم أنتم ولا أباكم أباكم ولا أجدادكم . فكروا في الأمر مليئا.ً

الصورة: بتصرف عن Richard Jonkman