الصفحة الرئيسية / زوايا / الحركة التصحيحية جدًا

الحركة التصحيحية جدًا

وداد سيفو

 

يتكئ أبي على جدار دكّانه وكأنه يحمل جبلاً فوق ظهره، يشعل سيجارته ويبدأ بالكلام فجأة: “لطالما حلمت صغيراً أن أرتدي الزي العسكري و أضع رتبة عسكرية، أو دون رتبة لا مشكلة، كالضابط فواز هل تعرفينه؟”_ يسألني _: “لقد كان ذا رتبة رفيعة، يالَ ذلك الرجل!، لقد كان يزور القرية في إجازته الصيفية، كنت شاباً حينها، كان يدخل بين جموع القرويين وكأنه الفارس القادم من حرب طروادة، يبقى الحضور واقفين حتى يختار مكاناً مناسباً له وسط الجلسة، يجلس ومن ثم يجلس شيخ القرية وبعدها نجلس نحن ورجال القرية الاُخرين، لقد كان رجلاً بحق، كان يبدأ حديثه بتواضع ويحدثنا كيف يشعر وكأنه في العراء وهو بعيد عن القرية، وعن إحساسه الدائم بأنه غريب في المدن، لقد كان على حق، لكنه لا يلبث ان يبدأ بالحديث عن العيش الكريم الذي يحياه وعن انتصاراته، يحدثنا عن العقوبات التي يقتص بها من جنوده وكيف يخافونه، والكثير عن انتصاراته _الوهمية ربما_، كم كنا حمقى!”. يبتسم ويتابع: “بزته المموهة ومسدسه الفارغ من الرصاص كان يكفي لينصت الجميع إليه، لا أحد يجرؤ على مقاطعته او تكذيبه، فهو رمزُ قوّة القرية، وليس اقلّ قداسة عن أي شيخ من شيوخها.
حدثنا مرة كيف أخذ بالثأر من عائلة ذات جذور تنتمي للإقطاع، كانت عائله فواز قد عملت لديها فيما مضى، ومنذ ذلك الحين وأنا أراه بالحلم؛ الرجل الذي سوف أكونه يوماً.
عندما قامت الحركة التصحيحية؛ كانت بالنسبة لي ولكثيرين غيري هنا، تصحيحية جداً”!
يضحك ويكمل: “حتى بالنسبة للقرويين الذين كانوا يعملون في الأراضي الزراعية كـ”مرابعين”، إذ كانت قد خصصت لهم الأراضي، حينها بدأ تغييرٌ جذريٌّ في حياتي، وتلك كانت البداية في تحقيق الحلم؛ التحقت بالجيش “يصمت لبرهة ثم يبتسم ويكمل: “واليوم، ها أنا ذا فواز جديد”! يضحك ثم يطفئ سيجارته بحافه الجدار، يهز رأسه ثم يدخل .
أراه منهمكاً في ترتيب الخضار في دكانه الصغير، وكأنه عاد ذلك الطفل المدهون بالطّين، والذي بقي يرتدي بنطالاً ممزقاً من مؤخرته حتى أصبح شاباً، حاملاً كيساً أسوداً مليئاً بالكتب وكلما مر بجانب رفاقه يبتسمون خلسة، ويمضون.

عن وداد سيفو

وداد سيفو
كاتبة سورية، خريجة مكتبات ومعلومات

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.