قبل أن أبدأ هذا المقال فتشت في قائمة الأيام العالمية لأتأكد أنه لا يوجد يوم كهذا يحتفى به في العالم على غرار عيد الحب ويوم المرأة ويوم الطفل ويوم اللاجئ .. واليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة.
مناسبة كتابة المقال خبر عابر في موقع “صوت ألمانيا” عنوانه “مدرسة ألمانية تحذر الطالبات من التنورة القصيرة بسبب تحرش السوريين”!! ويقول في متنه :
“قام مدير مدرسة ثانوية في بافاريا القريبة من مدينة ميونخ الألمانية بالتعبير عن قلقه حيال ارتداء طالبات المدرسة التنورة القصيرة عند قدومهم إلى المدرسة، وذلك تزامنا مع افتتاح مركز لإيواء اللاجئين السوريين. وفقا لمدير المدرسة فإن الطريقة الأمثل لتفادي التحرشات بين الطالبات في مرحلة المراهقة واللاجئين السوريين يكون من خلال ارتداء الفتيات اليافعات لباسا محتشماً تجنبا لـ”سوء الفهم” إذاً نفهم من المقال أن المجتمع الألماني لم يحتج لهذا الإجراء قبل قدوم السوريين، وأن هذه الظاهرة جديدة عليه تتطلب تغييراً في عاداته تجنباً لـما أسماه “سوء الفهم”! قبل أن أتورط في الدفاع العاطفي عن شعبي لابد من وقفة وجردة حساب هل فعلا شعبنا بصبصاتية؟ وهل الخوف الألماني من التحرش له مايبرره؟؟
تجارب مرّة
مرَّ تاريخ التحرش الذي تعرضتُ له في بلدي سوريا أمام عيني مثل شريط سينما، كنت صغيرة، أذهب إلى الفرن القريب في حينا “القصاع” لأشتري الخبز اليومي. حي القصاع من الأحياء الدمشقية المتحررة نوعا ما نظراً لأن غالبية قاطنيه من المسيحيين الدمشقيين ومن باقي المدن والقرى السورية، مع بعض الأسر المسلمة التي تتناثر فيه وتكاد تندمج بشكل شبه كامل. لكن طابعه كأحد المراكز التجارية المليئة بالمحال والمتاجر يجعله دوما قبلة العمال والمتسوقين من كافة الأنحاء. أحجز دوري بمفتاح أو بغطاء كازوزة، وأقف فيما لا يمكن وصفه بالطابور بل بكتلة بشرية متزاحمة. لم أكن تلك الفتاة الملفتة وأنا أشبه بالصبي بشعري القصير وصدري المسطح وبنطلون الجينز الفضفاض. كنت أرفض الذهاب للفرن، ولا أجرؤ على الافصاح أن السبب هوما أتعرض له من ملامسات مقصودة أو غير مقصودة في لحظة التدافع حين يبدأ الفرّان بلحظة توزيع الخبز فتقول أمي: -حطي العقدة وامشي مثل العسكر! لدي عقدة في جبهتي تشكلت منذ زمن طويل. ولدي حكايات لا تنتهي عن التحرشات التي تتعرض لها الفتيات في بلادي.
كنت في الثالثة عشرة من عمري مع بنات خالتي بمدينة الملاهي في وضح النهار، أنهينا اللعب ثم سلكنا طريق العودة، المصيف الذي يعج بالناس لم يمنع شاباً من أن يتبع إحدانا ويحاول لمسها، كنت متأخرة عنها بضعة أمتار حين رأيته وشاهدت كيف شهقت وانكمشت المسكينة وغذت السير صامتة، نفر في عضلاتي أدرنالين الغضب، ركضت أرتطم بالمارة الذين لم يحرك أحد منهم ساكنا، قفزت وحططت على ظهره وغرست أظافري في وجهه مثل رتيلاء عملاقة، كدت أعميه قبل أن يتفلت مني ويهرب.
– برافو عليكِ. قال لي أحد العابرين.
– قلت في قلبي: اخص عليكم.
وحين أصبحت فتاة جامعية كنا نضطر لاستقلال باصات النقل الداخلي الخضراء أو السرافيس، التي كانت عبارة عن سيارات قديمة، من تحت جسر مايسمى بـ “الرئيس”. في الشتاء الدمشقي، نرتدي كنزتين صوفيتين تحت الجاكيتات السميكة من شدة البرد، ولا يمكن لمن يرانا أن يميز مساحة جلد أو قطعة لحم صغيرة يسرح فيها خياله، ومع ذلك تعرضنا أنا ووجدة وميادة لحادثة تحرش محفورة بإزميل الألم بأذهاننا، حين أخرج أحد الركاب عضوه وغاص في مقعده محدقا بنا وبدأ يستمني في السرفيس المكتظ! ونحن متقوقعات على بعضنا وبالكاد استطعنا أن نعثر على أصواتنا المختنقة بالرعب والصدمة لنصرخ للشوفير : عمو عمو وقف وقف. أوقف السائق السيارة ونزل ليلحق به بعصا حديدية، لكن الشاب هرب وهو يعدل ثيابه ويشتمنا قائلا:
-“ماحدا قرب عليكن”!
كانت الوقفة الأمثل لنا في الباص المزدحم متخصورات وأكواعنا مدببة للخلف لنحافظ على مسافة أمان تحمي مؤخراتنا. وكان الطريق دوما مشحونا بالتوتر والترقب حتى نصل إلى معهد السكرتارية الكائن في المزة جبل.
أولاد وشبان يافعون ورجال على دراجات هوائية يسرعون بالقرب من الفتاة السائرة لصفعها أو قرصها أو لمسها.
أتفهم تماما لماذا اختارت سارة ابنتي ذات العشرين ربيعا أن تسجل في دروس رياضية في الملاكمة وقتال الشوارع. إنه هاجس الأنثى في أنها تحتاج طيلة الوقت للحماية والدفاع عن النفس في المجتمع، في الشارع والطريق وربما في نطاق أضيق. بدأ هذا الهاجس لديها ما أن ذهبت إلى بيروت “باريس الشرق” كما يحلو للبعض أن يسميها، ومدينة الحريات، لتتابع دراستها في الجامعة، هناك حيث يأخذ التحرش أشكالا مختلفة، كالتنمر والشوفينية والعنصرية.. وياغافل إلك الله! صارت تخاف من ركوب التاكسي وتقطع أطول المسافات سيراً على الأقدام! المشكلة أكبر من شريحة معينة من الرجال من مهن مختلفة، إنها عقلية، فمثلا لدي صديقة آية في الجمالة، وفي معرض حديث حامي الوطيس بين المزاح والجد قالت لزوجها:
-أنا لا أقول لك لا تبصبص على نساء أخريات، فهذا خارج عن إرادتك كما تقول، أنا أطلب منك فقط ألا تطيل التحديق!!
البصبصة هذه مسألة أخرى، يسخر كل المتحررون من الدعوات للحجاب والنقاب، يعتقدون أنهم فوق الشبهات والنزوات، وكلما ازدادت العلة في الرجال ازداد تشديدهم على النساء، يقول ذات الرجل لزوجته:
-بدلي هذه التنورة الضيقة، أنا أعرف كيف ينظر الرجال وبماذا يفكرون؟!
السترة والاحتشام ومنها الحجاب والنقاب مسؤولية المرأة لحماية الرجل منها. هكذا تقول بعض الفيديوهات الدعوية. فكما يبدو غض البصر مسألة صعبة جدا، وعلينا نحن معشر النساء إماطة الأذى الشيطاني البصري عن الطريق. ومساعدة الرجال المؤمنين وغير المؤمنين وتأمين مشاهد يومية غير مثيرة للرغبات والشهوات. فهل هذا يعني أن المحجبات أو المنقبات لا يتعرضن للتحرش؟!
التحرش حول العالم:
في سبتمبر 2011 تظاهرت العشرات من النساء في العاصمة الأفغانية كابل ضد التحرش بالنساء في الشوارع ، في أول تحرك نسائي من نوعه ضد هذه الظاهرة التي تعاني منها النساء الأفغانيات منذ سنوات ، وبحسب النساء فإن سيطرة الذكور على المجتمع الأفغاني خلال العقود الماضية دفعت الذكور لاستباحة مضايقة أي إمرأة تخرج من بيتها للتعليم أو العمل.. لكن التظاهرات انقضت والمشكلة بقيت وتمددت..
في آذار عام 2015 أرادت الفنانة الأفغانية “كوبرا خادمي” أن تسلط الضوء من جديد على مشكلة التحرش والاعتداء الجنسي على النساء المستفحلة في بلدها. فسارت وقد ارتدت درعا معدنياً على هيئة ثديين وبطن في شارع مزدحم غربي العاصمة. كانت خادمي تعتقد أن عرضها الرمزي سيستمر في أسوأ الأحوال لمدة 10 دقائق، لكنها أجبرت على العودة إلى سيارتها بعد 8 دقائق فقط بعد أن لاحقها عدد كبير من الرجال والأطفال!! واضطرت بعد هذه الحادثة للاختباء والتخفي خوفاً من تهديدات وصلتها بالقتل! الدراسات النفسية خلصت إلى أن الرجال يعتقدون أن المرأة التي تسير وحيدة في الشارع ليست ملكاً لأحد. ونسبة تعرض المرأة للتحرش في حال كانت مع مرافق رجل أقل بكثير من تعرضها للتحرش وحيدة. هذا ليس في أفغانستان فقط.. بل وفي أميركا أيضاً. ففي تجربة أخرى لشوشانا روبرتس، سجلت فيديو من عشر ساعات جالت فيها طرقات “نيويورك”، وتعرضت خلالها لـ108 حالة تحرش لخصتها بدقيقتين اقتربتا من عشرة ملايين مشاهدة خلال أقل من يومين على “يوتيوب”.
تقصدت “سوشانا” ارتداء ثياب عادية غير لافتة، “جينز” و”تي شيرت”، ووضعت مسجلات صوتٍ في يديها لالتقاط تعليقات المارة وتحرشاتهم، من دون أن تظهر أية ردة فعل، وجالت طرقات “نيويورك”، بينما تولى صديقها “روب بليس” تصويرها بكاميرا أخفاها في حقيبة ظهره، التقط خلالها صوراً لرجالٍ تبعوها وحاولوا استدراجها، وآخرين اكتفوا بتحرشات لفظية من قبيل “جميلة”، “كيف حالك يا فتاة”، “ملاك أميركي مثير”، وغيرها من التعليقات..
أنتج هذا الفيديو ضمن حملات مناصرة تقوم بها منظمة Hollaback وتعني “إغاظة النساء” وتنشط في مجال الحد من ظاهرة التحرش بالنساء، أسستها “إميلي ماي” والمشكلة برأي إميلي لا تقتصر على التحرش اللفظي بالنساء، بل في كون المرأة لا تدري غالباً أي المتحرشين يكتفي بالتعليقات الكلامية، وأيهم قد يلاحقها ويمارس عنفاً جسدياً تجاهها.!
في التعليقات على الفيديو على موقع العربية نت، انقسمت آراء المعلقين، أحدهم قال: لتقم بنفس التجربة وهي ترتدي الزي الشرعي. بينما رأى تعليق آخر أن التحرش لا علاقة له بالزي، ففي اليمن يتم التحرش حتى بالمنقبات. وصحيفة يمن تايمز نشرت في عام 2009 أن 90 % من نساء صنعاء تعرضن للتحرش الجنسي في الأماكن العامة!!
بالعودة إلى دمشق، في حي المالكي الذي تقطنه الطبقة الدمشقية المخملية، نزلت قريبتي المحجبة إلى البقال لتشتري شيئاً بسرعة وعادت تقول لأمها: كنت مغطاة من أعلى رأسي بالحجاب وجسدي مستور بالعباءة الفضفاضة لكن البائع بقي يحدق بــ… أصابع قدمي!!
أحد المشاهد المحفورة في ذاكرتي رأيته في اللاذقية. الطقس حرارة ورطوبة عالية في عز شهر آب، والرجل يرتدي شورت، عاري الصدر وزوجته بعباءتها السوداء ونقابها ونظارتها ومعهما طفل صغير والأم ملتفة بحجابها وعباءتها تتعرق حرجا وهي تحاول بارتباك ضبط الصغير في حضنها ريثما ينتهي الوالد من السباحة واللعب والــ.. البصبصة. لعلها فكرته عن متعة العطلة الصيفية، فهو آمن مادامت زوجته مغطاة بالكامل!
تعريف وإحصاء:
ليست فكرة التحرش مختزلة بالنظر أو باللفظ أو باللمس أو بالتعدي العنيف. فتعريف التحرش هو “مُضايقة”، وأي فعل غير مرحب به من النوع الجنسي. يتضمن مجموعة من الأفعال من الانتهاكات البسيطة إلى المضايقات الجادة التي من الممكن أن تتضمن التحديق والتلفظ بتلميحات جنسية أو إباحية، وصولا إلى النشاطات الجنسية، ويعتبر التحرش الجنسي فعلا مشيناً بكل المقاييس. بل ويعتبر شكلاً من أشكال التفرقة العنصرية، وهو أيضاً شكل من أشكال الإيذاء الجسدي (الجنسي والنفسي) والاستئساد على الغير.استخدم مصطلح التحرش الجنسي في عام 1973 في تقرير إلى رئيس ومستشار معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عن أشكال مختلفة من قضايا المساواة بين الجنسين. ووضع سياسات وإجراءات ذات الصلة. معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في ذلك الوقت اعترف أيضا بالإصابات الناجمة عن المضايقات العنصرية والمضايقات التي تتعرض لها النساء ذوات البشرة الملونة.
هل ذكر التعريف أو التقرير شيئاً عن القتل ؟!!
في الشهر الأول من العام الحالي 2015 قالت الشرطة الهندية إن ثلاثة رجال أشعلوا النيران في فتاة عمرها 20 عامًا بعد أن تصدت لمحاولاتهم التحرش بها. وأوضح المسئول الأمني المحلي أن الفتاة أصيبت بحروق بنسبة 70% وتخضع للعلاج في المستشفى، في شمال شرق مدينة فاراناسي.وذكرت الأخبار أن الفتاة بمجرد خروجها من المنزل في يوم الحادث، بدأ الرجال الثلاثة في مضايقتها، وعندما احتجت على ذلك قاموا بسكب الكيروسين عليها وأضرموا فيها النار! شهود عيان آخرون قالوا إن الفتاة هي التي أضرمت النار في نفسها أما والدا الفتاة فسجلا في شكواهما أن الرجال الثلاثة سبق وتحرشوا بابنتهم من قبل.في الهند أيضا ديسمبر 2012 تعرضت امرأة عمرها 23 عامًا لاغتصاب جماعي في نيودلهي في حافلة متحركة. وأثار نبأ وفاة الفتاة الهندية، التي لم يكشف عن اسمها، جراء فشل في وظائف العديد من أعضاء جسدها بأحد مستشفيات سنغافورة حيث خضعت للعلاج. فيما عمت حالة من الحزن والغضب والخزي والاحتجاجات أنحاء البلاد. لنقترب أكثر من منطقتنا، في مصر يعرّف المركز المصري لحقوق المرأة التحرش الجنسي بأنه ” كل سلوك غير لائق له طبيعة جنسية يضايق المرأة أو يعطيها إحساسا بعدم الأمان “.
وفي مصر مع مشاركة المرأة فى ثورة يناير 2011 تحول التحرش للأسف إلى ظاهرة مجتمعية تهدف لإشباع رغبة المتحرش وإهانة المرأة وإبتزازها، في حين لا يعامل القانون المصري التحرش الجنسي كجريمة تختلف طرق إثباتها عن جرائم هتك العرض والاغتصاب. ويقال إن عدداً من الناشطات والسيدات اللاتي تواجدن فى ميدان التحرير ومحطات المترو تعرضن لحالات من التحرش والاغتصاب الجماعى وذلك فى يناير 2013 حيث انتشر فيديو تُسحل فيه امرأة وتُعرى وسط الجموع! شاهده الملايين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
المجلس القومى لحقوق الإنسان أعد دراسة على عينات من النساء فى كافة المحافظات أثبتت ازدياد نسبة تعرض المرأة للتحرش اللفظى والجسدي فى الشارع ووسائل المواصلات عدا عن محاولات السرقة . وأن 61% من نساء مصر قاطبة يتعرضن للتحرش الجنسي!! والسؤال الآن هل تنحصر هذه الممارسات البهيمية بالرجال في المجتمعات الشرقية أو العربية أوالإسلامية ؟؟ لا بالطبع..
تجربة ماريا أبراكوموفيك
قامت جدة فنون الأداء والسوبرانو الكرواتية الصربية ماريَّنا أبراموفيك سنة 1974 بخوض تجربة لتتعرف أكثر على تصرفات البشر اذا منحت لهم حرية القرار بدون شرط. ضمن عملها الذي تحاول فيه منذ ثلاثة عقود أن تستكشف العلاقة بين الأداء والجمهور، والحدود من الجسم وإمكانيات العقل. فقامت بالتجربة التالية :
قررت أن تقف لمدة 6 ساعات متواصلة بدون حراك وأتاحت للجماهير أن يفعلوا ما يشاؤون بحرية، ووضعت بجانبها طاولة فردت عليها العديد من الأدوات سكين، مسدس، أزهار…
في بداية الأمر كان رد فعل الجماهير سلمياً فاكتفوا بالوقوف أمامها ومشاهدتها. ولكن هذا لم يستمر طويلا، فبعدما تأكد الجمهور أنها لن تقوم بأي رد فعل مهما كان تصرفهم تجاهها مؤذياً ومزعجاً أصبحوا أكثر عدوانية. فقاموا بتمزيق ملابسها، وقاموا بنكزها ببطنها بأشواك الأزهار وتحرش البعض بها وقام رجل بتقبيلها في أنحاء مختلفة وسط الجمهرة، بل إن أحدهم وضع المسدس على رأسها قبل أن يتدخل أحد الأشخاص ويأخذه منه ..لم يتأثر الجمهور بدموعها التي أخذت تنهمر وبعد أن انتهت الساعات الست تحركت مارينا من مكانها بدون إتخاذ أي رد فعل عدوانى تجاه الجماهير، وبمجرد أن بدأت بالتحرك هم الجماهير بالفرار!! هذه التجربة أثبتت لمارينا وللدراسين أن البشر الذين نتعامل معهم يومياً مهما اختلف عرقهم وسنهم وخلفياتهم قادرون على أرتكاب أفعال شنيعة، إن أتحيت لهم الفرصة فقط.. بلا ردع أو محاسبة.
طباخ السم بيدوق:
انتشر على يوتيوب منذ فترة فيديو أميركي للتأكيد على مدى سوء ما تتعرض له الفتيات لحظة التحرش. لا بل وعثرتُ على فيديو مغربي أيضاً. هذه المرة على الفاعل التقليدي أن يتذوق مرارة ذلك الفعل. فتيات يقفن على قارعة الطريق، يستندن إلى الجدران. أو فتاة تمد رأسها من السيارة لحظة مرور شاب، وتبدأ بالتلفظ بنفس العبارات التي يستعملها الرجال عادة للتحرش. وجوه الرجال مستنكرة ومذهولة، ربما شعروا بالمباغتة والمفاجأة. أنا شخصيا وجدت الفتيات وقد اضطررن للتخلي عن صفات الأنوثة للقيام بهذا الفعل. وإن كنت أرفض إلصاق الفعل السيء بالجندر، فالفعل يستهجن أخلاقيا مهما كان جنس مرتكبه، وسواء كان ذكراً أم أنثى يُطبق عليه ذات الحكم النقدي والأخلاقي والقانوني.
القانون هو الحل؟؟
الحل الوحيد أن تضع نفسك في موقف الآخر، وإصبعك في عينك. على المرأة ألا تصمت بعد اليوم، هذا ماقدمه مسلسل عصي الدمع من تأليف دلع الرحبي في إطاره الدرامي، فالمحامية رياض لم تتنازل عن حقها في سَوْق المتحرش للمخفر ومن ثم للقضاء. ولكن ليس كل النساء محاميات ولا كل القضاء عدالة.
علينا أن نستفيد من كل التجارب السابقة لإدانة الصمت، علموا أولادكم الدفاع عن أنفسهم، والتمرد على الخوف. التحرش هو فعل الوحش المختبئ داخل الإنسان، والذي ينتظر في عيني الضحية وعيون الأشخاص المحيطين في الشارع نظرة خوف واستلام ولا مبالاة وربما ابتسامات خبث وتشجيع حتى يتحرك من مخبئه ويطيل يده بعد أن أطال لسانه. الصمت والخوف والتجاهل وربما التصفيق والضحك على فعل التحرش يزيد من شجاعة الوحش وربما يكون فعله القادم الاغتصاب والقتل. المسؤولية لا تقع فقط على عاتقنا كأفراد بل كدول وحكومات ومؤسسات وإعلام وصحافة ومناهج تربوية وتعليمية… ومنابر الأصوات العالية المجلجلة التي تعد الرجال في الآخرة بالمزيد من النساء عوضاً عن أن توصيهم بنساء الدنيا خيراً ورحمة. قبل سنوات في الإمارات العربية المتحدة تحولت الإدانة إلى إرادة في وقف التحرش اللفظي، فقامت حملة إعلامية مرفقة بقوة تطبيق القانون، تقوم بنشر صورة المتحرش على الصفحات الأولى في الصحف الرسمية باسمه الرباعي، اسمه واسم أبيه وجده ولقبه وقبيلته. عرّضه قانون الحساب والعقاب لفضيحة متكاملة، وخلال أقل من عام اختفت الظاهرة تقريبا من المولات والفضاء العام. حرية أي مجتمع هي بحماية كل ضعيف فيه عوضاً عن معاقبة الأضعف، قوانين رادعة وفاضحة لمرتكب الفعل عوضاً عن الشماتة بالضحية. وتعزيز ثقافة البوح والضوء والعلن والوضوح عوضاً عن تشجيع التغطية والستر والإخفاء..
اليوم العالمي للتحرش سيكون يوما نتهادى فيه ما نفتقده يوميا.. شيئاً من الاعتراف والحقيقة، الاعتذار والاحترام والأمان. فهل في أيامنا يوم يتسع للفعل والمعنى؟!
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.