بداية أقول أنني لم أتعرف علي بوعلي ياسين بشكل شخصي، لكنني اعترف بأنني وجيل كامل من مُثقفي ويساريي الحركة السياسية في سورية ـ وربما المنطقة العربية ـ تتلمذنا في أحد فصول المعرفة أو أكثر علي يديه، وبشكل خاص في كتابه الهام الثالوث المُحرم: الجنس والدين والصراع الطبقي 1973. والذي كان أول كتاب ينشره.
وفي الثالوث المُحرم بدا بوعلي ياسين كاتباً أصيلاً ونقدياً في حقل المعرفة، وبدا أنه من
العاملين علي تغيير التاريخ أكثر مما هو حالم بذلك، لذا رأيناه في مواجهة ثلاثة أقانيم تتحكم
بوعينا الاجتماعي والسياسي وتحد من تطورنا، مواجهة نقدية جريئة أدت الي منع طباعته في سورية، فطُبعَ في لبنان، لكنه غدا أكثر شيوعاً في ثقافة جيلنا من أي كتاب آخر، وربما حتي الآن
بتاريخ 18 نيسان (أبريل) مرت ذكرى رحيل بوعلي ياسين، وصدر بهذه المناسبة كتاب ثقافة العصيان: قراءات في فكر وحياة بوعلي ياسين وهو من اعداد وتقديم خضر الآغا، الذي كتب مقدمة تحليلية لثقافة وفكر الراحل، بدأها بالتعريف: ينتمي بوعلي ياسين الي ذلك الطراز الخاص من المثقفين الذي يُطلق عليه في البحث المعرفي تعبير المثقف النقدي ، فقد تعددت حقول المعرفة التي دخلها، ومع ذلك فقد كانت العملية النقدية هي التي تسم هذا الدخول، بدءاً بحقل المقدس ونقده الثالوث المُحرم وانتهاءً بحقل الثقافة الشعبية ونقده أيضاً. كما جمع الكتاب اضافة الي ذلك أربعة أقسام، جاء المحور الأول منها تحت عنوان قراءات في فكره ، والثاني كان بعنوان قراءات في بعض كتبه أما الثالث فاقتصر علي مادتين لممدوح عدوان وخضر الآغا بعنوان الحرية والرقابة وأخيراً حوي الكتاب في القسم الرابع علي مجموعة من الشهادات التي أثقل بعضها علي الكتاب، دون أن يُضيف اليه شيئاً. وقد شارك عدد مهم من المُثقفين والكتاب في دراسات القسمين الأول والثاني، رغم أن جزءاً منها جاء كتابات مُناسباتية، أثقلت علي الكتاب أيضاً، وكانت دون مستوي بوعلي ياسين وفكره، الا أن هذا جزء من طبيعة الكتب الاستعادية، التي تجمع ما كُتبَ أو يُمكن أن يُكتب عن مُفكر أو كاتب مُهم في ذكري رحيله، ولا يُنقص هذا من أهمية الكتاب، وأهمية بعض الدراسات التي انضوت بين دفتيه.
أشارت الكاتبة الصحافية ديانا جبور الي أهمية احتفاظ بوعلي ياسين بهذا اللقب الذي صدر به جميع مؤلفاته، مع أن اسمه الحقيقي ياسين حسن، بينما ذلك اللقب هو ما عُرِف به بين أقرانه في زمن الفتوة والصِبا، تقول في اختياره لقب بوعلي ياسين تتحدد بعض ملامح بورتريه الرجل وبحثه الاجتماعي والاقتصادي، كما نقده الأدبي، فهو يتعمد بمياه الشعب، انما دون أن يتورط في أثنيات الشعبوية ودهاليزها المحاطة بهالة قدسية . وربما يُشكل هذا الاختيار أحد مفاتيح فهم هذه الشخصية، وفهم اهتماماتها اللاحقة بالأدب الشفاهي، والنكتة، والسيرة الشعبية…الخ، والتي حافظ فيها علي ذات الجرأة التصادمية التي اكتــشفناها في الثالوث المُحرم انما تجيء هذه المرة من خلال الابتعاد عن الحالة التنـــظيرية باتجاه قراءة الواقع وعناصر الثقافة اليومية فيه، وهي عناصر تصادمية، فضـــائحية بذات الوقت. مع أن أكثر العارفين بشخصـــية هذا الكاتب يؤكدون علي أخلاقيته الشخصية، ونُبله الفكري، كما يقول محمد جمال باروت كم كان هذا المثقف الراديكالي الذي أطلق الوظيفة النقدية للمثقف الي آخرها، علي مستوي عال من الأخلاقية النظامية المُنضبطة، التي تضعهُ في سلالة الزُهاد وأصحاب الحكمة ومُعَلمي الأخلاق، هو الذي قام في كل كلمة كتبها بمحاولة نزع القداسة عن العالم، وجعله محور نفسه.. .
ولد بوعلي ياسين عام 1942 في قرية عين الجرب التابعة لمدينة اللاذقية، لكنه كما اختار اسماً لهويته المفكرة والكاتبة، اختار أيضاً اسماً نقيضاً في دلالته لاسم قريته عين الجرب التي سماها في سيرته الضاحكة عين الزهور . بدأ وعيه السياسي يتشكل في خضم الأحداث التي عرفتها المنطقة، فتأثر بعبد الناصر عام 1956 اثر تأميم القناة والعدوان الثلاثي علي مصر، فانتمي الي حزب البعث الذي كان يسعي الي التلاقي مع عبد الناصر في تلك المرحلة، واذا كان لم يُطل مقامه في دوحة الفكر القومي، فبدأ بانتقاد عبد الناصر ونظامه المباحثي، كما غادر لاحقاً صفوف الحزب، بُعيد الانفصال. ذهب الي ألمانيا الغربية في بعثة تعليمية لدراسة الاحصاء التطبيقي، حيث قرأ ماركس بلغته الأم، وشارك في الحركة الطلابية في المانيا عام 1968 بشكل فعال، وكان عضواً في كومونة فرانكفورت التي لم تعمر طويلاً، الا انها مؤشر علي نمط تفكير وشخصية بوعلي ياسين، الذي لم يلتحق بالحركة الشيوعية التقليدية، بل حاول الغوص في بحار الاشتراكية العلمية كما صاغها ماركس وانجلز، باعتبارها تجلياً للديمقراطية الثورية التحررية، وفي هذا السياق كان مع روزا لكسمبورغ في معارضة فكرة الدولة عند لينين وهيمنة الحزب الواحد… وهو ما حاولت أن تعبر عنه المجالسية في فترة لاحقة قبل أن تتلاشي أيضاً. ہہہ هذه الخصوصية الماركسية هي التي دفعت بوعلي ياسين الي تبني طروحات قومية في الفكر السياسي وفي الاقتصاد، وكما سنري في عناوين مؤلفاته وترجماته لاحقاً، وبشكل خاص في ترجمته لكتاب نمط الانتاج الآسيوي في فكر ماركس وانجلز وهي الأطروحة التي تنسف قدسية الأنماط الخمسة لتطور المجتمعات البشرية وفق المادية التاريخية. الا أن بوعلي ياسين لم يكن مُجرد شخص مسيس أو مُهتم بالحركة السياسية، فهو لم يعش فترات تنظيمية طويلة في حياته، لكنه كان يتعامل مع الفكر السياسي بعقل نقدي جريء، يطرح الأسئلة ويُهاجم التابو، وهو ما قاده الي ترجمات هامة في علم النفس كـ الطوطم و التابو لفرويد و المادية الجدلية والتحليل النفسي لفيلهلم رايش. وأعتقد أنه لولا الصدفة التي قادت بوعلي ياسين الي ألمانيا لدراسة الاقتصاد،فاننا سنكون بالضرورة أمام ناقد أدبي من الطراز الأول، هذا ان لم يكن أديبا بالمعني الابداعي، ومع أن أول كتبه النقدية الأدب والأيدولوجيا يعبر عن اندفاع تنظيري في الحقل الأيديولوجي، أكثر مما يعبر عن طبيعة التفكير النقدي لهذا المفكر، اذ سرعان ما تجاوز كل المقولات والنتائج التي خلص اليها هذا الكتاب. وقد حاول الباحث د. عبده عبود الاشارة الي المؤثرات الألمانية في فكر وثقافة بوعلي ياسين كالتالي:
1 ـ الماركسية الأصيلة.
2 ـ التحليل النفسي.
3 ـ روزا لوكسمبورغ.
4 ـ الأدب الألماني مُمثلاً ببريشت. الا أنه أهمل مؤثراً خامساً هو : الاهتمام بالثقافة الشفاهية، وتدوين الحكايات الشعبية، وهي المدرسة التي كانت قد بدأت تظهر في ألمانيا،وتؤسس لنمط جديد من الأدب، أقول أن بوعلي ياسين استطاع استعارة هذا المنهج البحثي في دراسته للثقافة الشعبية المحلية عبر ثلاثة كتب أسست لنمط ثقافي لم يأخذ بعد حده أو مداه، لأسباب كثيرة اجتماعية وأيديولوجية جعلت الكثير من مُثقفينا يقفون بحذر ان لم يكن بعدائية تجاه مؤلفات عين الزهور: سيرة ضاحكة (1993) و بيان الحد بين الهزل والجد، دراسة في أدب النكتة (1996) ثم شمسات شباطية: ديوان المفارقات العربية الحديثة (1999)، حتي أن الكاتب يتساءل باستغراب لماذا ينفر مُثقفونا من تدوين النكتة التي يتناقلونها شفاهاً؟ بالتأكيد هو يعرف دور التابو الاجتماعي والأخلاقي وحتي السياسي، والذي لا يُريد هؤلاء المثقفون أن يقفوا في مواجهته، لا يريدون تحطيمه، لأن جزءاً من مكانتهم الاجتماعية تنبع من قدسية هذه التابوات التي لا يخدمهم خرقها الآن. وبوعلي ياسين منذ الثالوث المُحرم وحتي شمسات شباطية كان يُدرك أنه يُقاتل علي جبهة ثقافية عريضة، ويُدرك أنه قد اختار موقعهُ في هذه المعركة، التي استكملها بالدفاع عن قضية المرأة في أكثر من كتاب. ولا أعتقد أن أي استفاضة في الحديث عن بوعلي ياسين يُمكن أن تُغني عن قراءة كتبه، ولكن دعونا نتصفح ببساطة عناوين مؤلفاته وترجماته، لنُدرك تنوع وشمولية اهتماماته، ولندرك معني ثقافة العصيان في فكر بوعلي ياسين أيضا:
المؤلفات:
1 ـ الثالوث المُحرم: دراسة في الدين والجنس والصراع الطبقي ـ 1973.
2 ـ القطن وظاهرة الانتاج الأحادي في الاقتصاد السوري ـ 1974.
3 ـ الأدب والأيدولوجيا في سورية (بالاشتراك مع نبيل سليمان) ـ 1974.
4 ـ السلطة العمالية علي وسائل الانتاج في التطبيق السوري والنظرية الاشتراكية ـ 1979.
5 ـ حكاية الأرض والفلاح السوري ـ 1979.
6 ـ معارك ثقافية في سورية (بالاشتراك مع نبيل سليمان ومحمد كامل خطيب) ـ 1979.
7 ـ أزمة الزواج في سورية ـ 1979. والذي صدر في طبعة ثانية مطورة بعنوان : أزمة المرأة في المجتمع ألذكوري العربي ـ 1991
8 ـ الماركسية والتراث العربي الاسلامي (مُشترك مع عدد من المؤلفين) 1980.
9 ـ قراءة في وثائق الوكالة اليهودية في فلسطين ـ .
10 ـ ينابيع الثقافة ودور الصراع الطبقي ـ 1985. 11 ـ خير الزاد من حكايات شهرزاد: دراسة في مجتمع ألف ليلة وليلة- 1986.
12 ـ نحن والغير في السياسة والاقتصاد ـ 1990.
13 ـ عين الزهور: سيرة ضاحكة ـ 1993.
14 ـ علي دروب الثقافة الديمقراطية ـ 1994.
15 ـ بيان الحد بين الهزل والجد: دراسة في أدب النكتة ـ 1996.
16 ـ حقوق المرأة في الكتابة العربية منذ عصر النهضة ـ 1998.
17 ـ الأحزاب والحركات القومية العربية مُشترك) ـ 2001.
18 ـ أهل القلم وما يسطرون ـ 2001. صدر بعد وفاته.
كتب مُترجمة:
1 ـ المادية الجدلية والتحليل النفسي ـ فيلهلم رايش ـ 1980.
2 ـ الأزمات الاقتصادية ـ أوتو راينهولد ـ 1980.
3 ـ اصل الفروق بين الجنسين ـ أرز ولاشوي ـ 1982.
4 ـ الطوطم والتابو ـ فرويد ـ 1983.
5 ـ نمط الانتاج الآسيوي في فكر ماركس وانجلز ـ كارل ماركس، هلموت رايش ـ 1988.
6 ـ أوراق من الرزنامة ـ برتلود بريشت ـ 1992.
7 ـ مُستقبل الحياة في الغرب ـ غيرد غيركن، ميشائيل كونيستر ـ 2000.
8 ـ الموساد ذراع داؤود الطويلة ـ 2003.
.
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.