-1-
عند منعطف النهر سرق الولد طين الضفتين وظلّ الغَرَب.. ولاذ بصوت ينادي عد يا بني حان وقت الغداء، فطوى أثر سفينة كانت قبل حين، وكان المساء بعيداً.. وكانت قيلولة الموجِ حين ألمّ به التعب.
عند منعطف النهر زرع الولد طفولته ونثر باقة من الذكريات الحميمة.. وكان العمر بعيداً حين فاض به، وعاد بلا قدمين.. يا بني فات وقت الغداء، والتهب التنور بحطب العمر، وناح القصب قبل المغيب علي.
كانت حجارة مظللة على طريق الشوك وغصن التوت وخطى رطبة ورذاذ في منحدر النهر .. وكان صبي نحيل تعلم السباحة باكراً وقطع النهر باكراً.. حين نادى صوت عليه: يا ولدي خطفت القلبَ، والعين موشكة على النهر، فعد يا ولدي قدماي لا تحملانني والقلب أوشك أن يفصح عن نيته باكراً، وكانت قيلولة الأرض حين ألقى الموت خطافه الأعمى في مقتل القلب، فعد يا بني قبل أن تنطفئ العين ويبترد الجسد.
عند منعطف النهر بلل الطّفل نهاره، وترك حلمه هناك.. أغلق جفونه على عينيها الحزينتين، أوقد مصباحاً قرب ذكراها وبكى على صوت كان ينادي.. عد يا ولدي حان وقت الرحيل وقدماي عالقتان قرب باب الدار، روحي أفلتت مني، فعد يا ولدي قبل أن يدركني النّهار بين عالمين، بي رغبة يا ولدي إلى عناق أخير.
عند منعطف النهر.. تعثّر الولد بظلّه.. أطلق زورقه الورقي وغرق في موجه الهمّ، ونادى مراراً عليها ونادت مرارا عليه، وكان الصّوت يئن في جوف الأرض، ومن شرفة الأرض أطلّ ورد العلّيق علي.
مائل هذا الصباح نحو المغيب، مائل هذا الحديث نحو حروفه الأخيرة.
عباءة النذور التي حلّقت في فضاء (عين علي)* لم تلامس لا السماء ولا الأرض يا أمي، هي ذي تهوّم فوق رأسي كغيمة الغريب.
(من دفتر الطفل)
.
——————————-
هوامش:
– نشر هذا النص للمرة الأولى بتاريخ ٢٨-٩-٢٠١١
* عين علي: عين ماء جارية تنبع من سفح الأكمة المطلة على سهل الرحبة، تتبع لمدينة الميادين في محافظة دير الزور
أخي اسماعيل أيها الجميل جدا, هي شعر وهي قصة قصيرة, وهي فصل في رواية هناك فنية سرد استطاعتررغم التباعد الزمني بين الأحداث, أنت تنظم الوقائع بحبل سري , ليس مرءيا ولكنه مقروء بامتياز. حين تكتمل الفصول سنكون أمام رواية عذبة, تقول لقد أبدع اسماعيل الرفاعي نصا روائيا نما على أكتاف سيرة ذاتية, بسرد نما افقيا وعاموديا بشكل مدهش, استطاع أن يفرد عباءته على العام والخاص, بلغة حميمة حد انتزاع الدمعة من عين المتلقي حد الألم. تألق يا صديقي .. يحق لك أن تتألق!