كما هو متوقع جاء خطاب السيد حسن نصرالله الأخير مخيبا للآمال وأعلن اصطفافه – بشكل لا يدع مجالا للشك – ضد انتفاضة
الشعب السوري، الجديد في الخطاب إنه توجه إلى الشعب السوري ووصفه ببعض كلمات على عجل من قبيل الشعب الشريف النزيه، بعد أن أنكره تماما في الخطاب الأول ودعاه للالتفاف حول قائده في الخطاب الثاني، مجددا الدعوة لهذا الالتفاف تحت المسمى الوطني الكبير: النظام المقاوم والمؤامرة التي تستهدف سوريا.
داخل أروقة الحزب شديد التنظيم، عبقري التخطيط، المزود بقرون استشعار فائقة الحساسية لما يحدث حوله وما يعد له، يدرك المعنيون إنهم لا يملكون سوى هذا الخيار، وهذا أقصى ما يمكن أن يقدموه للشعب السوري كنصيحة من باب الواجب، مع تسليم كامل ودعم مطلق للنظام وإن كان هذا الموقف يتناقض بالجوهر مع فلسفته وعقيدته الأخلاقية كحزب بنى سمعته العطرة على المقاومة مقرونة باحترام النفس البشرية وكرامتها. وقد عبّر يوما عن احترامه لسلوك الأعداء ‘ الصهاينة’ إنهم لا يتركون أشلاء جنودهم ويبذلون كل ثمين لاسترداد ولو بدلة عسكرية عليها دم واحد منهم. الشارع الذي لم يعد ينتظر من حزب الله العون أو الوقوف معه ولو معنويا أسوة بباقي البلدان العربية قرر ان يوصل رسالته ردا على الخطاب.
فحين أحرق بعض المتظاهرين صور السيد حسن، هم بالضبط’احرقوا إنكاره وتعاليه على دمهم وعذاباتهم وهو الذي جلد يوما جمهور المقاومة بعبارات من قبيل أكرم الناس واشرف الناس واكتشفوا إنه لم يعنهم أبدا وإنهم ليسوا’ سوى ‘كمالة’ عدد في المشهد المقاوم ونسي إنهم تحملوا’ معه فواتير المقاومة ولم يقبضوا شيئا من تعويضات ما بعد ‘الانتصار’.
يطفو هنا على السطح تساؤلا مريرا يقول: أليس من الممكن أن تبقى مع حليفك ‘الكوع الطري’ فلا أحد يريد منك أن تتبنى آلام السوريين أو تدعمهم، ولكن كان لإشارة واحدة منك إلى حقهم بالحياة الكريمة العادلة الحرة أن تكفيهم وتوصل رسالة لآلة البطش والقمع الرهيبة إنها تدخل مكانا مظلما الخاسر الأكبر فيه هي المقاومة.
أما أبواق المقاومة فبعد أن ذكرناهم بموقف الشعب السوري وتاريخه المقاوم وشهدائه في لبنان وسلوكه في حرب تموز، واستقباله لمئات الآلاف من الهاربين النازحين، ردوا علينا بالمنطق الخائب المثير للغثيان نفسه، مدافعين عن النظام، يرددون الاسطوانة المشروخة نفسها: هذا معناه إنه نظام ديمقراطي فريد من نوعه ليسمح للشعب باستقبال كل هؤلاء النازحين؟
سخرية بمرارة العلقم تجعلنا نقول لهم: يمكن لنظام يعمل حارسا لحدود الأعداء قبل حدوده الوطنية، أن يسمح لمن يشاء بدخول بلاده ولكن أسألوا من زارونا في ذلك الصيف الحارق كيف فتح الناس القلوب والمؤن والبيوت بأعلى درجات الكرم الإنساني النبيل، فلا منّوا ولا تمنّنوا، ولم يحتقروا نازحا أو جائعا أو مشردا لبنانيا، مهجرّو لبنان لم يستقبلهم النظام في قصوره ومنتجعاته واستراحاته كل ما فعله إنه فتح الحدود ولو أن الشعب لا يريد استقبالهم لكانوا خرجوا من أول يوم.
أو أضعف الإيمان كان يمكن للسوريين أن يستقبلوهم كما يستقبل الكثير من اللبنانيين اليوم خمسة آلاف نازح، ونصف مليون عامل، ولكنهم لا يكفون عن تذكيرهم بأنهم أقل بالرتبة والمنزلة. يتعرض السوريون في لبنان لعنصرية في اللفظ والسلوك، تجعل الكثير من اللبنانيين المختلفين على كل شيء يتفقون ضمنا – بمن فيهم الكثير من جمهور المقاومة – أن يمارسوا العنف والتحيز والإهانة والاحتقار اللفظي والمعنوي وصولا إلى الأذى الجسدي للطلاب والعمال والنازحين السوريين وصولا الى انتقاص واحتقار كل ما هو سوري.
وحين ينتفض الشعب السوري لكرامته داخل سوريا، ستكون إهانة أي سوري في أي بقعة بالعالم بمثابة إهانة لكل السوريين وحين ترى كرامة السوريين تداس من نظامهم فلا عتب على الآخرين فهذه حتمية يجب أن يدركها الجميع لأنها ببساطة انتفاضة كان شعارها الأول (الشعب السوري لا يُذل).
السيد حسن بدعوتك الكريمة للشعب السوري أن يلتف حول قيادته الممانعة، المقاومة، الوطنية، صحيحة مئة بالمئة ولكنها مخطئة بالهدف، فالأجدى والأولى بتلك الدعوة أن توجه إلى النظام كي يلتف حول شعبه المقاوم الممانع الكريم النبيل. فهذا الشعب الشجاع يستحق أن تنضوي تحته كل قيادات الممانعة والمقاومة في كل مكان، هذا الشعب الرائع، يستحق الاحترام والتقدير والدعم لا التنكيل بأطفاله، وتفجير رؤوس شبابه، ولا تركيعه والدوس على كرامة أبنائه.
‘أحرق بعض المتظاهرين، إنكار السيد حسن نصر الله لألمهم ولحقِّهم بالعدالة والكرامة، الرسالة’ واضحة إلى الجميع، فحين تنكر هذا الحق المقدس للشعوب بالعدالة، تتم محاسبتك، حتى لو كنت يوما ‘مقدسا’ وهناك عِبرة في التاريخ تقول إن ديغول بطل المقاومة الفرنسية وصانع مجد فرنسا الحديث طرده الطلبة 1968 من الحكم ومزقوا تاريخه تحت أرجلهم حين أنكرهم.
ولأن من يهين السوريين ويقتلهم اليوم ويشلّع أظافر أطفالهم يقوم بهذا الإجرام وصورة رمز المقاومة معلقة فوق جدار مكتبه وعلى شباك سيارته وموشومة على قبضة هراوته، وكأنه يريد توريطه كشريك معنوي بالقمع كم هو مؤلم ومذل ما عاناه السوريين يا سيد المقاومة.
أعرفت الآن من يتآمر على روح المقاومة؟
ولأنها سوريا الحرة كاشفة الزيف والتزيف، ومنها سيتم تغير خارطة المكان وجداول الزمان فعليك ان تستعد لترتقي بالمقاومة إلى ما
سيصنعه السوريون اليوم إن كنت تريد صونها برسالتها الأخلاقية وقيمها العادلة، وإلا لن تكون سوى مجرد قبضة فولاذية تصهرها إرادة الحرية. فلم يعد بمقدور احد احتكار المقاومة أو استخدامها للبلطجة والإفقار والاتهام للمشاريع الخارجية.
فالسوري المنتفض اليوم لكرامته يفضح الجميع بالتساوي ينتفض ضد هذه المؤامرات الخارجية وأيضا ضد استخدام فلسطين المقدسة والجولان المنسي في بورصة الدم الوطني، ضد الغربي الانتهازي الفوقي وتدخلاته السافرة، ضد الصهيوني المجرم الجناح الأخر للقمع الرسمي العربي، ضد أصحاب المشاريع المشبوهة، ضد الأنظمة العربية المشبوهة التي تستمد شرعيتها من رشوة شعوبها وإغراقهم بالبذخ الكاذب وتفريغ أرواحهم من رغبة الحياة الحقيقة ذات القيمة الإنسانية الكبرى، ضد السلفية التي لم تنوجد إلا مع ارتفاع الصوت بالحرية. ضد العثمانية الجديدة والصفوية الجديدة. نعم السوري اليوم حين ينتفض يقلق الجميع، لأنه سيغير روح المكان. فهو ينتفض -على عكس كل شعوب الأرض – ليس ضد ظالم واحد بل ضد دزينة شاملة من الأعداء، تشن عليه حملة إنكار كونية،فالسوري حين قال: ما في خوف بعد اليوم ارتعدت المنطقة، انتفاضة الكرامة السورية انتفاضة أخلاقية، كان الواجب على من يزعم المقاومة أن يلاقيها ويحضنها ويسير ويقتدي بها، لا أن يرتدي بزة مموهة ويتدجج بالأسلحة وتصبح بطولته بقتلها أو تشويهها وإنكارها،
وبالله عليك ما هو الخطر على المقاومة إذا كان السوريون يمتلكون كرامتهم؟ لقد أخطأتم الخطأ الأكبر بحق المقاومة’أولا حين استكثرتم على الشعب السوري أن يكون مقاوما ومصانة كرامته، وأردتموه أن يكون كومبارسا بالمشهد. متطابقين بجوهر الموقف مع أشقائكم الممانعين والمطبعين. بالإنكار والتجاهل لروح الشعب السوري.
يتجنبون تحيته أو الإشادة بشجاعته وعزمه وإرادته للحرية، لأنهم يعرفون بقرارة أنفسهم إنه شعب مقاوم بالفطرة، يحاولون أن يصفّوا حساباتهم مع نظامه ويحتقرون حراكه ويتخوفون منه، لأنهم يدركون إن سورية الحرة بشعب حر ستغير كل شيء، ستعيد أبجدية المكان كما ابتكرتها قبل آلاف السنين. وتنتج أخلاقا جديدة تطيح بكل هذا الهراء القائم المثير للغثيان في منطقتنا.
وللأسف لأول مرة تلتقي بإنكارك مع إنكارهم للشعب السوري العظيم، وتتحد مخاوفك وحساباتك مع حساباتهم، لذلك وجب تذكيرك بكل المحبة التي كان يكّنها السوريون بقلوبهم لرمزيتك الخاصة. علّك تدرك عمق الجرح السوري على حقيقته.
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.