تخيلات بدائية

في حفل تكريمي الأول ……….
لم يعرف أحد سبب إرتباكي وتعرقي و إرتجافي…..
لأنهم لا يعرفون أبي……
أبي الذي خرج وتقدم من بين الجمهور يحمل نفس العصا التي كان يضربني بها قديماً وهو يقول “متى سأتخلص منك ومن غبائك وبلاهتك..؟؟”
أبي الميت منذ سنين، كنت سأهديه جائزتي…..
وفي المطعم عندما “اندلق” فنجان القهوة على الطاولة بسبب الرجفة والإرتباك…..
كنت أترجم كلام عاملة المطعم وهي تنظف الأشياء أمامي بصوت أمي، وهي تقول: “الله يقطعك ويقطع هبلك، دايما مبهدل حالك ومبهدلنا”
وعندما قدمت لي العاملة منديلا رطباً ودافئاً، زاد إرتباكي ، ماذا أفعل به…..؟؟؟
فتحته ووضعته على وجهي كان رطباً حاراً جداً كدموع أمي التي كانت تذرفها على وجهي وهي تنظف الأشياء أمامي…….
لذلك عندما اصبح شخصية عامة عندها فقط ستعلمون أيها الكبار معنى الهراء، سأجعلكم تأكلونه وتشربونه. ستصبح كل أحاديثكم وأفعالكم وكتاباتكم هراء، ما تدرسون وما ترسمون وما تنحتون هراء ، حتى أحلامكم وطموحاتكم ستكون محض هراء…

سألغي ماضيكم وأُزَوّر حاضركم وأتحكم في مستقبلكم،
سيصبح مشروع حياتي الترويج للأكاذيب و اللامعقول، ولن أنشر لكم شيئاً يستحق القراءة ، سأساعدكم كي تتعروا فقط ، وسأكتب عن عوراتكم جميعا ، وسأفصل في ذلك تفصيلاً،
أيها الأصدقاء…

سأفضح الكبار والمشاهير وأقص عليكم كم من التفاهة المطبوعة والمرئية والمسموعة والمرسومة والمنحوتة باعوا في أسواقكم ، وكم التسطيح الذي مورس علينا، وكم الرعب من ملامسة أطراف الحقيقة بثوا فينا، وكم تسلقوا على بلاهتنا وغبائنا، سنعاقبهم بالإصغاء لنا ورؤية رقصنا وتمثيلنا وقراءة ما نكتب في أوقات فراغنا….
سأجعل نجمات ونجوم العالم مادة عامة رخيصة ، في متناول اليد لكم جميعا،
سأخترع لكم بديهيات جديدة، جميلة ، بسيطة، بلا معنى …
سنتحدث في السياسة والأدب و الفن ، ونحن نلعب الطرنيب، ونشوي البطاطا…..
سنقرر مصير الطوائف والرؤساء وأبناءهم ونحن ندخن الحشيش،
سنركب الطائرات وندور العالم بالمجان، كمكافأة لنا على النحيب الطويل السابق،
سنمسك المجد من جوزة حلقه ، ونراهن عليه في كازينوهات لاس فيغاس، ونخسره…
سنشد معاً شعر الليبرالية، ونضاجعها جماعياً، ونحتفظ بالفيديوهات كدليل ادانة لنا….
سندوس البرجوازية والرأسمالية والعولمة بأحذيتنا الممزقة ونفرض عليهم شرب “الشنينة” وأكل “السمن الريفي”كل يوم،
سنشكل أحزاباً جديدة ومذاهب أدبية جديدة، مهمتها البحث عن طريقة لمسح التاريخ وحذفه ونسيانه…..
سنتغوط في شوارع هوليود أمام الكاميرات وفي قصور النبلاء وعلى أسرتهم المريحة ونقلق راحتهم بصراخنا….
سنتبول على قبور الطغاة وعلى إبداعات أبنائهم ، سنتبول ونتقيئ على متحافهم وسيرهم الذاتية ….
وسنشرب الهوت شوكليت في شوارع الشانزليزيه مجاناً……
وسنهدم تمثال الحرية ونجرجر شعلته في شوارع أوروبا ونطفئها في أسيا، ونزرعها في أفريقا، كعربون حسن نية ، فزمن العبيد انتهى ،
وسنكتب على باب العالم المتحضر ” منطقة عازلة” وعلى باب إفريقيا سنكتب “منطقة محررة” وعلى البحر سنكتب” المقبرة”..
وسنخطب على منصاتهم وعبر قنواتهم و ستترجم خطبنا لكل اللغات……
وسندخل عالمهم ونمزق مناديلهم وسنتعلم تغيير جلودنا كل يوم وسينّظفون مخلفاتنا ويحتفظون بها للذكرى، ذكرى الإنقلاب الأكبر..
سنطفئ العالم ونطفئ كل الأضواء والتكنولوجيا ونسهر على ضوء القمر نغني ونسكر بلا توقف…
سنحفر روؤسكم بأظافرنا الطويلة القذرة وببلطاتنا الحادة سنقطع فساتين زوجاتكم وأغطية طاولاتكم وستائركم الثمينة….. لا ستائر بعد اليوم ، سنعرف ما يدور خلف الستائر وتحت الطاولات…..

سنلغي المعنى والمغزى والقيمة والقيمة المضافة ، سنفرض عليكم ما بعد المعنى وما بعد المغزى، وما فوق القيمة وما تحتها…
سنضم “روبن هود” لعصابتنا ونسطو على مخازن الأسلحة والأغذية، ونوزعها على الفقراء، وننذر أنفسنا للفرد ، ونبدأ حرب التحرير بالسلاح وبالغذاء وبالكلام……!!!!