والليلة أيضا، و من جديد؛
سأبعث قلبي الحافي يجوس دروب أصحاب قدامى…كشامة الخدّ كانوا، ككحل العين، وذابوا في هجير الحرب..
ذاك الذي ترك قصاصة وداعٍ غامض لا تبوح إلى أين سرى به خوفه، وذاك الراحل خفيفا من أيّ حنين، وذاك المنزوي المرعوب ريثما تنجلي المحنة، وذاك اللاهث المحموم ليلحق أثرياء الحرب، وذاك الذي صيّرته حربُ البلاد مشروعَ عدوٍّ يتبختر بالكلاشن الملقّم في ساحة الحيّ…
سأرشوهم بما في اليد من حيلة، سأنده دفتر الماضي:
عهود الصحبة الأولى خلف مقاعد الدرس، المناديل المطرزة التي كنا تهادينا، الغرفة( صغيرة وحنونه)التي ربّت تآلفنا ومازال سميح شقير ينثر دفأه فيها…الأمانة التعبى: خصلة شعر قُصّتها صديقة الأمس يوما لحبيب قديم “حبيبي للأبد”! ، ولم يعد حبيبها حبيبا ولم تعد صديقة… كمشة تربة حمراء برفقتهم جمعناها لننثرها على الجولان، وانفرطت في أدراج خزائننا… قصائد ابن الملوّح وابن زيدون والسياب ونزار ما زالت خطوط الأصبع الراجف تظلّل آهة العشاق فوق حروف كاتبها…
مشاريع سننجزها، وأوطان سنبنيها، وأحلام بطول الكوكب الأرضي، وعرض الهمّة اليقظى…
ولستُ أظنهم ينسون …
سأترك حبل الودّ ممدودا إليهم كسلك الهاتف المشلوخ من عنقه، يقاوم سكتة الصوت ومن جنبه تسيل الذبذبات الخرس :
“ألو…نحن بخير…و أنتم :كونوا بخير…كونوا بخير…”
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.