ندرك جيداً -كأبناء الشعب السوري- تعايشنا الطويل وتاريخنا الطويل كمكونات مشتركة لهذا الشعب العظيم، ونفهم تماماً معنى الوطنية الحقّة أكثر من أي شعب آخر، لم تكن هناك على الإطلاق أي مشكلات طائفية على مدى التاريخ السوري بطوله، والتاريخ يشرّع أبوابه أمامكم فاقرأوه !
ولكن يدور في بالي الآن تصريحان، أما الأول فهو كلام الشهيد “بإذن الله” يوسف الجادر “أبو فرات” عن العلوية، وعن أخوتهم لنا في الوطن –شئنا أم أبينا- وبالطبع من لم يرتكب جرماً منهم، أما المجرمون السفّاحون القتلة فالحل الوحيد بالنسبة لهم هو القصاص ! كي تُشفى قلوب 50,000 أم على الأقل !
المهم .. كلام الشهيد كان متزناً جداً، ليس عاطفياً مائلاً لأي جهة، بل هو كلام عقلاني ومهم ويجب علينا أن نعيه ونفهمه تماماً، حتى أنني والله أُعجبت بثقافة الرجل وسعة اطّلاعه وكلامه الموزون، وعودوا للمقطع واسمعوا كلامه جيداً كي تعرفوا قصدي، رحمه الله ..
كان كلامه عن وجوب تحييد الصراع الطائفي، وعن ترسيخ فكرة أننا نحارب نظاماً مجرماً، وأن العلوية هم جزء من الشعب السوري لنا مالهم وعلينا ما عليهم، ولقد زُجّ بهم وتم استخدامهم لمصالح النظام الطائفية، وأعيد وأكرر لا نتحدث عن المجرمين هنا ولكن عن البسطاء الذين لا يعرفون ما يحصل خارج حقلهم !
هؤلاء هم جزء من شعبنا السوري، شاء من شاء وأبى من أبى ! لا يحق لأحد تحييدهم أو إنكارهم أو الدعوة إلى قتلهم أو تطهير البلاد منهم ! دولتنا التي نريد بناءها هي دولة العدل والحق والقانون، ليست دولة طائفية موتورة ومتعطشة للقتل !
الشهيد أبوفرات رمز لشعبنا السوري في اعتداله، عندما نقول أنها ليست طائفية ولن تكون طائفية، فليس في هذا هضم حقٍ لأحد ! ولكن من يطلقون ويشجعون على مثل هذا المصطلح “من أهل السنة” إنما هم جاهلون أصلاً بما يمكن أن تفعل الطائفية !!
المقياس الذي يجب أن نصنف عليه السوريين هو: مجرم أو غير مجرم، وبالتأكيد سوف نحاسب المجرمين الذين استُقدموا من بلاد أخرى بدوافع “طائفية” ..
نعم .. إنها طائفية .. ! ولكن بالنسبة لهم “النظام ومن حذا حذوه” .. وعلينا أن نسعى جهدنا لمنع أن تكون طائفية، يجب علينا نبذ الطائفية تماماً .. ونبذ من يتحدث بلسان طائفي مقيت حتى لو كان أكبر ثائر فينا !!
جُلّ من يتكلمون باللسان الطائفي من الثوار إنما هم يتكلمون به بدعوى التزام ديني خاطئ، أو بدعوى تطبيقهم لشرع الله، أو بدعوى تأييدهم للشيخ فلان أو علان والذي أفتى بقتل النصيرية !
وديننا والله براء من هذا .. وفي القرآن آية واضحة تدل على ذلك لا يشكك فيها اثنان : “لكم دينكم ولي دين” .. القتل بناءً على الاعتقاد هو نتيجة مخ متصلب أحمق وجاهل ! وهنا لا أستثني أحداً ممن يدعو إلى هذا ..
وهنا نحن نحارب الطائفية ليس كرمى لعيون أحد، فلا يتهمني أحدٌ اليوم بأني أجاري طرفاً دون طرف، أو طائفة دون أخرى، أو أنني أدعو للتنازل عن القصاص، لا والله .. ولكنني أحارب الطائفية كرمى لعيون سوريا الموحدة، سوريا المستقبل، كرمى لعيونها فقط !
أما التصريح الثاني، فهو تصريح الأمم المتحدة الأمس، بأن القتال بدأ يأخذ منحى طائفي، والكلام بالطبع نتيجة حتمية لأفعال النظام، والتي كما أسلفت تريدها أن تكون طائفية من أول يوم ..
لا نريدها أن تكون طائفية، لأنه وببساطة نتيجة الطائفية هي التقسيم ! ليس بعيداً أن تتدخل الأمم المتحدة فيما بعد التحرير بدعوى “حماية الأقليات” وتعطي حق تقرير المصير للعلوية ويُستصدر قرار من الأمم المتحدة بتقسيم البلاد، واقرأوا التاريخ إن كنتم تستبعدون هذا ..
هذا الخيار ليس بعيداً ولا مستحيلاً ولكني والله أراه ماثلاً أمام عيني المتحدث باسم الأمم المتحدة اليوم، يريدون التقسيم، يسعون إلى التقسيم، لأنهم وببساطة لا يريدون لسوريا أن تعود لعُشر ما كانت عليه من القوة ..
لنقولها جميعاً: لا للطائفية، لأننا نريد بناء وطن للجميع، لا مكان للمجرمين القتلة فيه ..
علينا أن نسعى جميعاً لقتل ومحاربة جميع التصريحات الطائفية، وإعادة تصوير ثورتنا على أنها حرب ضد إرهاب دولة غاشم وليس ضد طائفة ..
وأثق تمام الثقة بشعبنا السوري العظيم الذي سيتجاوز هذه المحنة الأسدية وهذا التعطش للدم، وسيتجاوز كذلك المحنة الطائفية، كما تجاوز الكثير والكثير من المحن قبلها .. فشعبنا السوري شعب واعي مثقف ومتفتح ولكنه أيضاً لا يسكت عن القصاص ولن يسامح القتلة على الإطلاق .. وأرجو أن نفهم الفرق بين هاتين النقطتين ولا نخلط بينهما ..
حمى الله بلادنا وشعبنا .. وهيأ لها الخير من عنده ..
—–
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.