1 ـ
في المساء تحزم أمركَ بأن تذهب غداً إلى مكانٍ ما داخل« دمشقك». تصيبكَ حالة من الهوس بالخروج من قهركَ إلى القهر المُعاش على الرصيف النازح.
حينَ تخرج في اليوم التالي وترى الأماكن كأنها قيد التأسيس لا يملأها إلا بائعي الدخان وأجهزة الهواتف الصينية والمخبرين.
حين ترى دمشق، تدرك كيف أنها لم تعد تشبهنا قبل أن تشبه نفسها. حين تقرر الخروج إلى هذا المكان الشاسع عليكَ أن تهيأ ذاكرتكَ لاسترجاع كل تفاصيله، لأن تفاصيله أضحت مشوهة، وأصاب شيء من تاريخها العطب.
حينَ تُفكرُ بالخروج عليكَ إدراك أن: أحلام الليل يقصفها النهار.
2 ـ
ليس للجزية من معنى، هي ثورةٌ شاملة، عارمة، زلزلة كرسي« البنتاغون» قبل أن تزلزل كرسي الطاغية، حتى أنها جعلت« بان كي مون» قلقاً لأكثر من عشرين شهراً و« بوتين» تعلم أن يكون أكثر «ستالينية».
الجميع دفع الجزية.. حتى من بقي على قيد الحياة يدفع كل يومٍ جزيتهُ؛ ومن هم في الخارج أيضاً. أيظنُ أحدكم أن من لم يصب بمكروهٍ بقيَ سليماً..؟ واهمٌ، عاجزٌ، حاقدٌ، في قلبهِ غيمةٌ سوداء، ولا يقهر السواد إلا السواد الأعظم.
من يظن أن في هذه المساحة أحدٌ ما سليمٌ، معافى، خاطئ.. حتى ذلكَ الذي يقفُ خلف مدفعهِ، أو فوهةَ دباباته أصابَ شيٌ من روحهِ العطب، و هو نفسهُ يجهلُ كيفَ يلاعبُ أطفالهُ في لحظةِ حبٍّ لأنهُ فقدَ الحبَّ ذاتَ يومٍ.
ومن يطلب الجزية عليه أن يعلم بأن جزيتنا هي: الحرية لنبني وطناً لكل السوريين.
3 ـ
القذيفة التي سقطت بالقرب منا كان بداخلها صبّار يشبهُ تماماً الصبّار الذي جرفهُ «صغار الكسبة» من أراضي «بساتين الرازي».
4 ـ
عندما تمرُّ من أمام أحدِ الحواجز وتنتهي من إثبات شخصيتكَ بأنكَ مواطنٌ صالح، لابدَ لكَ من الاطمئنان على قلبكَ بأنه مازال يعمل.
من يعلم! ربما يكون قد سُرِقَ منك دون أن تَشعُر..!
5 ـ
صورةٌ جديدة داخل إطارٍ شبه مكسور، كتابات «سميح القاسم، محمود درويش، ابراهيم طوقان» موزعة على الجدران، الكوفية التي كُتِبَ عليها« حق العودة» تتصدر المشهد. رائحة التبغ، أقلام الرصاص، لوحات عن الأقصى وكنيسة المهد، أحلامٌ تحولُ المكان إلى ضجيجٍ يختلط معه الفرح.
خارج هذه الغرفة مكانٌ اسمه المخيم.. داخل هذه الغرفة شظية تلاعبت بنهاية الحلم وقتلت صاحبها.
الجد الذي شاهد الحفيد الشهيد مازال مفتاح بيته في يافا داخل جيبه.. الجد مازال جالساً على عتبة منزله يرفض النزوح للمرة الثانية.
6 ـ
الوجع حاضر، والضمير الأخلاقي مازال حياً. حينَ تنطلق الثورة وتكون متردداً كغيركَ متأرجحَ الموقف ليس عيباً أو حراماً، الحرام أن ترى استفحال آلة الفتك الدموية وتبقى صامتاً أمام هكذا نهجٍ بربري.
ربما أول ستين يوماً من العمر الأول لنا كانت كفيلة بأن ترسم خيطاً طفيفاً للمستقبل، الستين يوم الأولى وما رافقها من أيامٍ وشهور يمكنها إرغامك على قول العقل والأخلاق والمستقبل.
بالمنطق الأفلاطوني يمكنك أن ترى مستقبلكً القادم، الوصفة شهية، ما عليكَ فعله هو تكثيف المشاهدة والبحث عن الأقلام التي كتبت:«لافتات كفرنبل، كرتونة من دير الزور، حيطان سراقب».
أحفظ حلمكَ جيداً؛ الحياة ليست إلا لوحة شبيهة.. للوحة «العشاء الأخير».