الصفحة الرئيسية / نصوص / قراءات / “انتباه” ألبرتو مورافيا

“انتباه” ألبرتو مورافيا

البرتو مورافيا

بين الأصالة واللاأصالة، بين الانتباه واللاإنتباه، تنمو رواية ألبرتو مورافيا في تربة من التساؤلات والجدل بين أن يحقق حلمه في كتابة رواية على أنقاض يومياته كما هي أو أن يعيد ترتيب أحداثها بقصِّ ما لا يراه مناسباً لحلمه الرواية وإضافة ما يرى أنه يعزز ذلك الحلم، بين أن يقدم لنا أبطاله كما هم بحسناتهم وسيئاتهم أو أن ينحاز إلى الجميل فيهم.

بيد أن حراجة الموقف تكمن في أن يومياته تعج بمواقف غير أصيلة (ممارسته الجنس مع بنات الهوى اللاتي كانت ترسلهن إليه زوجتهكورا“) ( إدارة زوجته كورا لبيت دعارة) (اعتمال حبابنته – “بابافي نفسه) تلك المواقف التي لم يكن منتبهاً إليها طوال عشرة أعوام انقطع خلالها عن زوجتهكوراوعن ابنتها غير الشرعيةبابابسبب فتور العلاقة مع الزوجة.

لكنه في لحظة معينة، ولكي يحقق حلمه الرواية، وبتوليفة روائية أتقن حبكتها لكي يلج حالة الانتباه، اختلق موضوع رسالة تكشف لا أصالة حياته حَدَّ شعوره بالخجل من أفعال كان يأتيها عامداً غير مغرر به لعل أقلها الانقلاب الذي اقترفه حين قبل العمل في صحيفة يمينية هو اليساري العتيد كما تدعي الرسالة المفتاح إلى البدء بحوار معباباالتيكما أراد الكاتبتحمست لفكرة أن تكون علاقتها بفرانشيسكو علاقة أب وابنة، الحوار الذي تخلله صراع متردد في أن يقع (الأب) في حب (ابنته) من عدمه، إلى أن تحسم النهاية لصالح موت الأم وزواجبابامن صديقها الطبيب .

انطلق فرانشيسكو في روايته من تسجيل موقفه من لا أصالة الثراء نحو أصالة الفقر، من لا أصالة حياة الترف نحو أصالة حياة العوز حَدَّ عشقه لملابسكوراالداخلية المثقوبة والبالية والتلذُّذ في ارتياد أحياء الفقراء والمعوزين هو الثري ابن الطبقة المخملية.

يُدخلُكَ الكاتبُ ورشته ويجادلك في كل مفاصل السعي إلى الرواية، حتى تجد نفسك مغرراً بك كأبله يذعن لكل ما يراه الكاتب في مكان ما، ولاهثاً بلهفة نحو خلاصة ربما تخيلتَها في مكان آخر، إلى أن يقنعك في نهاية المطاف بمنطقية وأصالة الحدث الذي يريد أن يضمنه الرواية.

ربما أتعب الانتباه فرانشيسكو، لكنه في النهاية أنجز رواية جميلة مكتملة انتبه من خلالها إلى ضرورة ممارسة الكتابة وضرورة إنجاز الحلم، ولعله انتبه أكثر ما انتبه إلى أنه يجب أن يقصي اللاإنتباه واللاأصالة لصالح ما يقابلهما.

الانتباهعمل روائي مختلف في لغة السرد ورسم الحدث ورصد الشخصيات، وفيالانتباهتصوير مبالغ في دقته خاصة للأماكن التي دارت الرواية في فناءاتها والتي كادت تُرى بين السطور.

الانتباهرواية خدعَنا ألبرتو مورافيا حين ادعى أنه يكتبها لنا حين كتبها بنا.

عن نزار غالب فليحان

نزار غالب فليحان
سوري مقيم في دولة الكويت. أصدر مجموعتين شعريتين: قبل القصيدة (فصيح)، قصب مبحوح (محكي)

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.