عدتُ البارحة من العمل مُنهكةً تمامًا، غير قادرةٍ على أخذ نَفَس. أمطَرَت طوال اليوم، كُنتُ أرغبُ بالاختفاء، عندما أدركتُ أنّني وصلتُ إلى البيت، لم أستطع تذكّر نفسي على الطريق، كأنّي قدتُ السيّارة في حلم.
عندما فتحتُ الباب، كنتُ مُحطّمةً على الطاولة، بجانبِ منفضةِ السّجائر.
لَم أتعرّف عليَّ للحظة، وقفتُ هناك كأنّيَ مُنوّمةٌ مغناطيسيًّا، كنتُ أنظرُ إليَّ بكلّ تأكيد، مُعظم القِطعِ فيَّ كانت موجودة، هذا بدونِ أيّ شكٍّ هو أَنفي، وهذا كتفيَ الأيمن، تلك رَقبَتي فوقَ الأثداءِ البلاستيكيّة، هنا كسّيَ وهنا ساقاي . الجِّلدُ كانَ مُكوّمًا مُتهدّلًا على الحافّة، رخوًا كأنّه يخصُّ سِحليّةً ضخمة. لم أستطع التنفّس، توقّفَت “بَحلَقَتي” عند إحدى الرّئتين وهي تنتبجُ قليلًا ثمّ تعودُ للانطفاء، فأطبَقَت عليّ رغبةٌ شديدةُ الإلحاحِ بالتّدخين؛ ركضتُ إلى الطّاولة وبدأتُ بتركيبِ القطع بتوتّر وأنا لا أتمنّى من الحياةِ إلّا أن ينتهي هذا الكابوسُ قريبًا.
مذعورةٌ، بحثتُ دون جدوى، لم أجد في الكومةِ إلّا عينًا واحدة، المِعدةُ كانت مثقوبة، ولا أثرَ لقلبٍ أو لِلسان.
كنتُ قد سَلّمتُ في الثوان الأخيرة قبل انتهاء عمليّة تركيبِ القطع بأنّها روحي التي تقومُ بذلك، وبأنّي غفوتُ أثناء مشهدٍ في أحدِ الأفلام، وأنّ هذا كلّه مجرّد كابوس قد سبّبهُ تقطّعُ نَوميَ المُعتاد، وأني سأصحو، نعم سأصحو، لكنّني وبالكادِ بعد أن جَلَست روحي في ما جمّعتهُ من قطع، غِبتُ في غفوةٍ تُشبهُ الإغماء.
استيقظت بفزعٍ في ساعةٍ مُتأخّرةٍ جِدًّا ما بعد الظّهيرةِ على صوتِ عاصفةٍ، كنتُ أحس بالغَرابَة، الارتباك، دونَ أيّ فكرةٍ منّي عن مكانِ وجودي.
كلّ شيءٍ مُعتِم، كأنّ أَحَدَهم أَغلَقَ الشّباك.
شعرتُ بعطشٍ شديدٍ يُحرّكني، كانَت قِطَعي تُطَقطِق، كأنّها على وشكِ التّحطّم مِن جديد، شَربتُ ثلاثة أكوابٍ من الماء بأنفاسٍ متقطّعة، العطشُ كانَ رهيبًا، ليسَ فقط في لِساني الذي أحسَستهُ جافًّا هَامِدًا في فمي كأنّهُ لقمةٌ غير ممضوغة تَمنعني عن النّطق، العطشُ كان في جِلدي، في رَأسي، في عينيّ في كِليَتيّ.
سَحَبتني رائحةُ الرّطوبة من أنفيَ للخروجِ إلى الشّرفة، التي بَدَت كأنّها سطحُ سفينةٍ صغيرةٍ وسط بحر، حيثُ تركتُ نَفْسيَ للماء.
في المَساء توقّف المَطَر، كنتُ أُدخّنُ وأنا أفكّرُ بالقطرةِ الأخيرة تسقطُ في إحدى زوايا البَريّة.
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.