وصلتِ إلى اليونان إذاً. رأيتُ صوركِ البارحة. البارحة كانت إجازتي الأولى. ذهبتُ إلى المقهى الذي كنّا نرتاده وهناك على الانترنت رأيتُ صوركِ على الشاطئ.
في البداية أزعجتني تلك الصورة التي يضع فيها سامي إحدى يديه على كتفك والأخرى على خصرك. و قتلتني تلك الصورة التي يحتضنك فيها. وقد كلّفني الأمر علبة دخانٍ كاملة كي أُقْنَع بأنه عندما تخوضين رحلةً تواجهين فيها خطر الغرق والموت فمن الطبيعي أن تحتضني أي شيء ترينه أمامك عندما تنجين. حتى لو كان سامي. أليس كذلك ؟
لم أجلس طويلاً في المقهى فقد شعرتُ بأنّي لم أعد أعرفه. البارحة شعرت وكأني لاأعرف المدينة كلّها. النفوس تغيّرت، في المقهى كان يجلس أمامي سبعة أشخاص، و السبعة يتحدثون بنفس الوقت، من دون أن يسمع أحدهم الآخر. الناس هنا تتعامل مع اللحظة بشراهة. الكل يريد أن يثبت في كل لحظة بأنه حيَّ وموجود، وبأي طريقة مهما كانت، فيكون المنظر مقرفاً.
والغريب أني شعرتُ بشبح الموت في المدينة أكثر منه في الكتيبة، مع أن الموت يحصد بمنجله هناك، لا هنا.
البارحة شعرت ولأول مرة بالانتماء للكتيبة. فهناك تشعرين بالأمان أكثر. فعدوك واضح ومعروف، ساحة الحرب واضحة، أما هنا فلا ساحات. الحرب هنا مضمرة، وذات مستويات. وفي أي لحظة يمكن أن يصبح أي شيء ساحة قتال. من دون أن تشعري بذلك.
أنا سعيد بأن إجازتي انتهت وسأذهب بعد قليل إلى الكتيبة. لقد اشتريت شاحناً جديداً لهاتفي الجوّال، هذا حدثٌ يستحق الاحتفال ويوازي وصولك إلى اليونان، فالآن بمجرد أن أضع الشاحن في الجهاز حتى يبدأ في الشحن، وداعاً للوقفات الطويلة وأنا أمسك الشاحن من دون أي حركة، أشعر بالرفاهية الآن، كان يجب أن أشتري شاحناً جديداً منذ أن تعطّل القديم، احتفظت بالشاحن القديم، لم أستطع أن ألقيه في الحاوية. الحرف الأول من كلمة رمي. الثاني من كلمة بندقية. الرابع من إطلاق يكون اسمك. وينهمر الرصاص بعدها، أصبحت بطيئا في هذه اللعبة. ولكن وفي المقابل أصبحت رامياً ممتازاً. حضرة الرقيب يقول لي بأنني سأصبح قناصاً بارعاً وذلك لأني أملك قلباً بارداً.. تخيلي! يظن أن قلبي بارداً. الجميع في الكتيبة يعتقدون ذلك. أتعلمين. أشعر وكأني شجرةً يأكلها النار من الداخل، ولسبب فيزيائيٍّ ما سخيف.، لم يخرج منها الدخان، كأنْ مثلاً امتلأت مساماتها بفضلات النمل أو النحل أو الصراصير. وهو ما أدّى إلى منع خروج الدخان . هذه الشجرة. ستفاجئ الجميع بأن تتتحول فجأةً ومن دون سابق إنذار إلى كتلة من الرماد .
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.