نشر في ٩ شباط ٢٠١٣ مقال لكريم فهيم وهويدا سعد ترجمة ريما القاق
*قبل البدء
مع اقتراب دخول الثورة عامها الثالث، يختنق سؤالٌ في الصدر؛ ما مصير الأصابع الذهبية التي فجرت الثورة؟ من هو صاحبها على أي حال؟ ما اسمه؟ أين هم أطفال درعا اليوم؟
لجوء وخوف.
بين مئات الآلاف من اللاجئين السوريين في قرية حدودية في الأردن، ودون أن يلحظه أحد، يحمل فتى في السابعة عشر من عمره عبئاً ثقيلاً ولربما شرفاً لا يشاركه به أحد. فقد ساهم مع أصدقائه ببدء كل شيء، أشعلوا الانتفاضة في سوريا.
يبوح مع والده بكل التفاصيل في تقرير للنيويورك تايمز مطلع الشهر الجاري شريطة عدم الإفصاح عن اسمه خوفاً على أقارب له ما زالوا في الداخل.
ولعل هذا التردد يعود أيضاً إلى الإحساس بالعار، فالوالد سلم ابنه ليحمي ابنه الآخر. الفتى بدوره أبلغ عن ثلاث من أصدقائه في محاولة لتجنب التعذيب الذي تعرض له على أي حال.
غرافيتي.
بدأ كل شيء عندما شاهد ابن عمه يكتب على جدار المدرسة تحدٍ قصير ومستفز لرئيس البلاد “إجاك الدور يا دكتور”، في نفس اليوم قاموا بحرق كشك للشرطة.
ما يظهر أن كل ما نشاهده اليوم بدأ كثورة مراهق على النظام والضجر أكثر من كونه ناجم عن نشاطات سياسية. فلم يسبق لهؤلاء الفتية أن تبادلوا أي أحاديث متعلقة بالسياسة لكنهم كانوا يتابعون الأخبار الغاصة بالمعارضين، تزامناً مع قيام بعض الاحتجاجات الصغيرة في دمشق؛ إذاً “لا بد أنه الوقت المناسب”.
اعتقال.
في اليوم التالي أتى عناصر الأمن إلى المدرسة، وحدهم أطفـال الغرافيتي عرفوا السبب “كنا نعرف جيداً ما اقترفت يدانا”.
في الأيام القليلة التالية بدأت الشرطة والشرطة العسكرية والأمن التجول في أرجاء المديتة ليلاً نهاراً مداهمين البيوت بحثاً عن مشتبه بهم.
مرت ليال لم يعرف فتانا النوم، فقام بالاختباء ظناً منه أن هذا كفيل ليتجنب الأذى ولينجو من فعلته لكنه كان مخطئاً.
طرقت الشرطة بابهم لتهدد الوالد باعتقال طفله الآخر في حال عدم تسليمه للفتى المطلوب. في اليوم التالي ووسط بكاء الفتى ورجائه أن يعيده إلى المنزل سلمه والده إلى الأمن.فور عودته وحيداً إلى المنزل حمّلته زوجته مسؤولية أي مكروه يقع لابنها.
في المعتقل.
بدأت الإساءات مع دخوله إلى سجن السويداء، تحت الضرب والتعذيب تم التحقيق معه والذي كان عبارة عن سؤال واحد: “هل أنت من كتب على الجدران؟” نفى ذلك قائلاً لهم أنه ترك المدرسة في الثامنة وأنه لا يعرف أن يكتب.
لكن التعذيب استمر وبعد ثلاثة أيام لم يستطع الاحتمال أكثر فاعترف بأنه كتب على الجدران مع أنه لم يفعل، لكن التعذيب لم يتوقف إلا عندما أبلغ عن ثلاث من أصدقائه.
في الخارج.
كان رد فعل النظام متوتراً وأرعناً في ظل الإطاحة بالحكام العرب، اعتقلوا أكثر من عشر طلاب. خلال أسبوعين تلقى الوالد اتصالاً يدعوه إلى الاجتماع في المسجد العمري حيث وجد في البداية ما لا يزيد عن عشرة أشخاص، ما لبث العدد بالتزايد حتى استطاع أن يرى كل من يعرفه في المدينة. بدؤوا بالتظاهر بالمئات: أقارب الطلاب، جيرانهم، معارفهم، ثم كل أهالي المدينة فقد كانوا على قناعة أن تظاهرهم سيحد من اعتقال المزيد من أطفالهم. فوراً فتح النطام النار عليهم في حين يؤكد ناشطون من درعا أن الأمور كانت قابلة للتفاوض وكان بالإمكان امتصاص الغضب مع شعب اعتاد القمع الدموي، لكن مع نزول أول قطرة دم ذهب كل أمل في ذلك أدراج الرياح إذ باتت السيطرة على الشعب ضرب من المستحيل .
وُضع الأطفال بعد ذلك في باص صغير، دون أن تكون لديهم أدنى فكرة عما حدث من تظاهر، أعيدوا إلى منازلهم، لم يستطع الأب التعرف على ابنه من آثار التعذيب.
المصير.
أضحى معظم هؤلاء الأطفال لاجئين هنا وهناك، فقد هرب هذا الفتى من ما يقارب السنة إلى الأردن ليمضي وقته باحتاً عن عمل كعامل بأجر يومي ويحلم أن يعود لسوريا ليقاتل النظام.
وقد وصلته أخبار منذ شهرين تفيد أن ابن عمه الذي كتب أول عبارة، والذي تفادى الاعتقال بشكل أو بآخر، التحق بالجيش الحر وقُتل أثناء قتاله بين صفوفه.
لا ندم.
بعد مرور سنتين بقي هؤلاء الأطفال مجهولين، فوحشية الحرب الدائرة اليوم جعلت من الصعب تذكرهم ناهيك عن الاحتفاء بهم على طريقة الاحتفاء بمحمد البوعزيزي الذي ألهبت تضحيته بنفسه الانتفاضات العربية. ليسوا بشهرة خالد سعيد الشاب المصري الذي ضُرب حتى الموت من قبل الشرطة مما أجج حركة التغيير في مصر.
على الرغم من كل ما وصل إليه الحال في سوريا وما حل بعائلته لا يندم فتانا على ما اقترفه مع أصدقائه بل يقول “ولم أندم؟ من الجيد أن حدث ما حدث، لقد عرفنا من هو بشار الأسد حقيقةً”.
* تُرجمت بتصرف