أول جملة قرأتها على الفيس بوك اليوم كانت: أجل مع مثل هؤلاء “الثوار” تنهار الدولة و يبقى النظام..
و هناك صورة منتشرة للتضامن مع زواج المثليين في امريكا أو لست ادري أين، يتبناها بعض السوريين الكونيين…
لا علاقة لهذا بما سأسرده الأن بتاتاً..
في نخبة فنية مثلاً و هي مجموعة هالممثلين و المخرجين و المطربين و الملحنين و أخوتهم و أبناء عمهم و أصحابهم و بائع الدكان اللي بحارتهم، و في واحد صاحبي إجاني بعد قبوله بالمعهد العالي تبع المسرح و التمثيل لابس بيريه و في نظرة إزدراء عميقة للمجتمع و إلنا نحنا أصحابه اللي ما منعرف شي عن الفن و المواهب و الإبداع و هالأشياء.. حتى سألني: شو بتعرف عن تشيخوف انت؟؟
في نخبة سياسية مثلاً و هي هالوزراء و المسؤولين و الطامحين ليكونوا بالسلطة، باعتبار أنّ السياسة هي الحكم و السلطة مثلاً، و هو الطبيعي و المفروض، هؤلاء جميعاً هم الذين ينتجون ما يسمى بسياسة البلد و نظام الحكم فيها، هم يمثلونها عند الزنقات و التصادمات و الحوادث مع الدول الأخرى، أبناء هؤلاء ليسوا نخبة سياسية بالضرورة و سائقي سياراتهم و منظمي اجتماعاتهم لا يجب أن يكونوا من الطامحين لدور سياسي، لأنه ببساطة ما بصير، عيب يعني..
في نخبة ثقافية و كيف ننساها؟! وهي مجموعة هالكتّاب والشعراء و الصحفيين وكل مين قرأ كتاب سواء بالصدفة أو عن سابق قصد وإصرار، حتى أنّ أحد أقاربي مثلاً يسمي كل من يقرأ و يكتب (يفك الحرف) مثقف، و في مجموعة خاصة جداً أتمنى أن تسعفني الكلمات لتوصيفهم هم هؤلاء الذين قرؤوا كتاباً واحداً فقط، أو الذين لا شئ لديهم إلا قراءة الكتب، يكفي أن تجلس مع أحدهم عشر دقائق ليحدثك عن أحد أهم الكتب على الإطلاق( الكتاب الوحيد الذي قرأه) أو ليجلسك تحت شلال من العناوين الأدبية و الفكرية و السياسية، هؤلاء الذين يتمتمون دائماً: أنا اأقرأ الكتب أيها الجهلة، أنا أقرأ كثيراً و لا وقت لدي لفهم ما أقرأ.. طبعاً أنت ستفهم هذه الملاحظات بالإيحاء و ليس مباشرة..هؤلاء يشعرون أن من واجبهم أن يفهموا كل شئ تحت الشمس، و يبتلعوا كل الأفكار و يشاركوا بكل النقاشات، و يدلوا بدلوهم كل يوم في شأن من الشؤونات المتجددة، و يكتبوا بلغة لا يفهمها أحد..
النخبة الفكرية -واو- و هي مجموعة الناس اللي بفكروا عنّا ممن لديهم القدرة على تدوين أفكارهم و الترويج لها و تعليمها و تطبيقها و..الخ
يحيط بهم نخبة فكرية شبابية وهي مجموعة الشباب و البنات اللي بفكروا عنّا، لأنهم يعرفون أحد أفراد النخبة الفكرية(الكبار) و على رؤوسهم أثار طبطبة الكبار، و على صفحاتهم الفيسبوكية”لايكات” من الكبار، هؤلاء لديهم بعد نظر، حساسية من سذاجة الرأي العام، ينظرون بحسرة إلى الجهل الذي يرتع به مجتمعهم، مثلاً مثلاً عندما كنت في السنة الأولى بالجامعة جلست صدفة مع أحد”المفكرين” و في اليوم التالي قلت لأحد الأصدقاء بعد أن دعاني لحفلة عيد ميلاده: كيف تحتفلون و فلسطين محتلة؟! أعتقد أن صديقي انفلج يومها و كرهني كرهاً شديداً و كرهته كرهاً شديداً لأنه لم يسألني توضيحاً حتى أحدثه عن جلسة البارحة و عن الأهمية التي أعانيها بسبب هذه الجلسة..
الأن.. أكبر مقلب ستأكله عندما تصاحب القسم الأخير من التصنيفات أعلاه أو تكون أحدهم و تجلسون معاً في قعدة ثقافية فكرية سياسية..تستمعون لأحد شعرائكم بقصيدة عن السباحة في قطعة شوكولا أو الدخول في قلم و الخروج من الطرف الأخر، يحدثكم” السياسي” عن حمامات الفندق الذي يعيش فيه، و المفكر عن أهمية الكسل، و المثقف عن مؤامرة دور النشر..و يختم أحدكم بالحديث عن عمق هذه القعدة و بأنه بأمثالكم فقط تبنى الأوطان..
و أكبر مقلب ستأكله بلاد ما هي أن يكون هؤلاء هم “نخبتها” فعلاً..
ما علاقة هذا كله بذاك كله..؟! لا شئ طبعاً..
إنه الإنحطاط، انحطاطي، أنا منحط، و أشعر بهذا الإنحطاط كل صباح عندما أستيقظ، يخفف النهار و شؤونه من شعوري بالإنحطاط ليعاودني ليلاً..
لكن هذه الأيام بات كل شئ يعزز شعوري بالإنحطاط، و اليوم تحديداً راودني شئ ما يقول ينبغي أن تكون منحطاً و بليداً، عليك أن تكون منفصماً عن نفسك..
فأنا لا أملك الجرأة لطلب رأي أحدهم بما أكتب، أعتقد أن القراءة ضارة، لم أكتب شعراً بعد، أتمنى أن أمشي في الشارع بمؤخرة مكشوفة، سأعاود التدخين قريباً، أكره النظام الكوني، لا أتمنى أن تشرق الشمس ثانية، تجلطني الأقوال المأثورة، أقضي معظم نهاري في أحلام اليقظة، اشتريت سيارة فارهة سأقضي عمري في سداد ثمنها، أتمنى أن يموت الشعراء جميعاً فجأة بدون سابق انذار، أمقت الذين أبتسم لهم مرغماً، أفضل السهر مع شباب الحارة و التضريط بحرية، أريد أن أكون عظيماً بالمجان،أدعي أنني أفهم ما أقرأ و ما أسمع و هي في الحقيقة طلاسم بالنسبة لي، لا أحب الحياة و لا أريد الموت، ملذاتي رخيصة جداً، أصدقائي الشهداء لا يتركونني وحيداً أبداً أشتمهم في سري و أرثيهم في العلن، لم اجرب الحزن، أتمنى أن أمتلك شيئاً أكبر من اللغة يقتل عن بعد..
لماذا أشرتُ للعامية و الفصحى في العنوان؟
لأننا أنا و صديقي المنحط أيضاً نذهب كل يوم لمجالسة رجل أمّي يحدثنا عن الثورة و يستفيض و يذهب بعيداً في تحليلاته و استنتاجاته وتوصيفاته وأعتقد مع صديقي أن ما يقوله صاحبنا الأمّي أهم من كل ما كُتب عن الثورة، و يحدث أيضاً أن يشاركنا الجلسة شابٌ طليق اللسان خصب الخيال نجس الطباع، نجلس بذهول أمام سرداته و مغامراته التي يرويها باسلوب يعجز أكبر روائي عن مجاراته به و بمفردات لا يمتلكها معظم شعراء العصر، يحلق بنا بعيداً في الوصف والتصوير والسجع والقافية وفنون الشعر جميعاً، هكذا كل يوم حتى بتنا نمقت الفصحى ونعشق سحر العامية، الموضوع طبعاً لا يقف هنا فأنا أعتقد أن الفصحى تضيف قيمة لما ليس له قيمة، فمثلاً أكثر من نصف ما كتب بالفصحى اذا قلته بالعامية تجد أنه بلا قيمة و يعرفه الجميع، و أصحاب الفصحى يعتقدون أن لهم الحق في تقرير مصير أصحاب العامية، و احتكار عالمهم..و الحديث يطول جداً..
أقول لصديقي في لحظة انحطاط: أتمنى أن تفنى الفصحى و أربابها، و يرث “العاميون” الأرض..
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.