يوم قالوا طعنتهم في ضمير الإنسانية:
هنا ما بعدَ، بعد حيفا..!
لافتة أولى
في القصير، إنها النكسة، نكستنا الجديدة. دخلوها حفاةً، عراة من الإنسانية المشنوقة بأعمدة زينتهم. دخلوها “فاتحين”، غير مكرمين، كانوا يهللون طرباً للزمن المتخاذل تحت أقدام الأطفال الذين هربوا خوفاً من طعنة السكين، أمهاتهم اللواتي ركضنّ خوفاً على أحلام أطفالهم. الذين كانوا حراس الليل في الماضي، تحولوا إلى قطاع طرق، جباة يسعون خلف من ساندهم في لحظة نجاتهم من الموت قبل حين. الوحوش التي أكلت من خضرةِ الأرض، نسيت أن الأرض التي مازالت حرة، تلك المدينة التي اجتاحوها كانت في نظرهم مجرد وكرٍ من أوكار الحرية.
لافتة ثانية
كانوا يعقدون العزم على تشويه الحقيقة، يعقدون العدة التي أربكها هول التحرر من الزيف المحاط بأنياب الأعوام الأربعين، الأربعين التي أفرزت طغاة الدهرِ، الأربعين التي حثت الجميع على القلق مما يحصل، متجاهلين السارين في حدودته المفرطة، متناسين قواصم الظهر البالسيتية، ورواجم الموت الجبلية، السارين الذي حثهم على تشويه الخرائط في يوم القحط الإنساني، يومها قالوا طعنتهم في ضمير الإنسانية: هنا ما بعدَ، بعدَ حيفا..!
لافتة ثالثة
اليوم، وعند المساء، ستكثف الفضائيات عناوينها، سيتبارز المحللون لمعرفة الخلل في نبأ الدخول إلى المدينة الثكلى بجراحها. مساءً سيكرر “صفوت الزيات” شرحه لمعالِم الصمود، ونبأ الدخول، سيذكر على خارطته الاستراتيجية، الأهمية الجيوسياسية للقصير، وسينسى أن على تضاريسها الزراعية سقطت الإنسانية.
لافتة إعلامية
الجرافات التي بدأت بإزالة أثر الحقد المُتطاير على الأحجار، المياه التي بدأت تمحو روائح الشهداء، العيون التي كانت تهلل طرباً للموت الذي كان قبلها بلحظات من التصوير الذي طالته أيادي المونتاج؛ كيف استطاعوا أن يضحكوا عليكم وقولوا حدث “التطهير”.
لافتة للمعارضة
الاتصالات التي لم يكلف نفسه عناء الرد عليها، الرسائل المتكررة من “جورج صبرا” إلى “نبيه بري” وصلت تماماً، وبالصيغة الأكثر نقاءً.
إنهم يوزعون “البقلاوة” تهليلاً، وضحكاً، في عيد النكسة..!
الصورة: بيروت، ٥ حزيران ٢٠١٣
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.