اِذهبْ إلى الحديقة العامة
ياصديقي،
تلك التي بجانب بيتي،
وراقب
كيف يدرّب عاشق مبتدىء
أصابعه على شعر حبيبته المؤقتة
في انتظار جولة بطولية في حلبةِ
حبٍ أبدي لن يأتي
كيف تهدهد فتاة مجدة
كتابها المدرسي كأنه كتاب مقدس
كيف يلبط الولد الأوزة
من غير رحمة
انتقاماً من كف أمه
كيف تنط عارضة الأزياء المتقاعدة
في مشيتها
محاولة التذكير بزمنها الغابر
كيف يضحك المشردون الهبيّون
بأفواه خالية من الأسنان
شماتة بربطة عنق الموظف
كيف يسرق بخجل عامل النظافة
عقب سيجارة من كومة الزبالة
كيف يهرول المجنون
مثل خفاش بين الصغار
كأنما يبحث عن عقله
كيف تحصي ربة المنزل
النقود المتبقية في محفظتها
ويدها ترتجف
كيف تجرُّ أم مراهقة طفلها الأول بيد
وبيدها الأخرى تدفع عربة
ينام فيها طفلها الثاني
في الطريق لاقتناء وصفة لمنع الحمل
كيف تُخرج العجوز من عبها
على عجل مرآة صغيرة
مجرّحة الحواف
كلما مرّ ظل يشبه حبيبها
الذي لم يعد من فيتنام
لأن الحرب لم تنتهِ بعد
كيف تمسح الجدة بمنديلها
المخاط عن خد حفيدتها اليتيمة
ثم تجفف قلبها بنفس المنديل
كيف تدخن امرأة في الثلاثينات
بشراهة كأنها تمارس الحب مع رجل
هجرها وعاد إلى حضن أمه
كيف تواري أم الطفل المنغولي
وجهها عن أعين المارة
وهم يبتسمون لكلمات أغنيته البذيئة
كيف تٓصُرُ المقاعد الخشبية
متململة تحت مؤخرات كل هؤلاء
اذهب ياصديقي
وراقبني
كيف أراقبهم
بحسد وحسرة.
الصورة: جاد سعيد أحمد
