عمّا قليل ..
نغادر هذا الشتاء الطويل ..
وقد نقصت فصولُنا واحدا..
مانفعُه آذار.. دون بذار؟
مانفعه آذار..
وما زرعناه في وقت متأخر من الشمس..
نتركه لكم..
لتدلّلوه “نبات زينة”.. فلن تجوعوا بعدنا..
قد أطعمناه منا مايكفي ليشعر بالخجل..فلايطرق بابَكم
في وقت باكر من العمر..
لاتُثقلوا خطانا بالأسماء.. لم نكن قرابين
ولم نكن شهداء
كنا مساكين ربما.. وربما مجانين..
اختاروا طريق الذئب
لا لقصر المسافة.. بل ليروا الخرافةَ
زهراً جميلاً على الجانبين.
تزوجتُ يا أمي.. دون حنّاءْ..
كانت يداي مخضبتان بالدمِ والبوفيدون..
ولم يكن هناك أرز.. ليمرَّ تحت بياضِه..
موكبُ العرس..
ولم تكوني هنا.. ليمر شعرُ العروس بين يديك.. والماء..
دون زغرودةٍ تزوجتْ..
فهنا النساء ماعدْنَ يزغردن.. ولاحتى للشهداء..
عماقليل.. أغادرُ..
مصابةً بما اشتهيته..لا كما اشتهيته.. بل كما اشتهاني
كما لو أن الله قرأ قلبي
أو تمشى على “شارع اليرموك “.. إلى جانبي
وأنصتَ..
أنا ياربُّ طلبتُ عدواً لائقاً
لايرتدي وجهَ أخي.. لايخرج من أحشائي.. ولا يمشي في جنازتي..
لِمَ أفسدتَ حلمي يارب؟
وكيف أفلتَّ – في منتصف الطريق – يدي؟
ماتوا بأفواهٍ مفتوحةْ..
لِمَ لمْ تَفدِ طفلي بكبشٍ يارب ؟
أليس في جنانك كبشٌ واحد لإبني؟
نخلةٌ يارب..
نهزُّ جذعها أو نتدفأ به..
عما قليل نغادرُ..
هذي الخشبة.. التي أردناها وطناً
..فأطْبقت علينا تابوتاً وكذبةْ..
لاتصفقوا لنا..
فنحن لم نكنِ النص..
كنا مراياه..
كنا الرؤية ..والوحي..
لقمر أردناه..
أقربَ
..فقتلناه
وسال الدم.. ضوءاً.. على الخشبة
أمام جمهور يتذوق المأساةَ
بثمن التذكرة
(سوليهْ) رأتِ الحرب
لم تختبئ في كُمّي.. على حاجز الجسر
كانت تعتلي كتفي
وتُشغلُ الجندَ عن الخبز
رافقتني في “الريجة” و”سبينة” و”الحجر”
دون أن ترتدي علمَ الثورة أو تأخذ الصور
(سوليه)
خرجتْ في شباط.. ككلّ القطط
ولم تعدْ
وأنا أفكر..
حين أكلوها.. هل كانت حبلى؟
يا أجملَ القتلى..
عماقليل نغادر..
غير متلفتين للخلف.. كملوك حقيقين
لستم ورثتنا.. ولستم بقايانا
نحن معشرُ الأنبياء لانوْرث
صدقةً لكم..
الأقحوان النابت قبل “شارع المدارس”.. ببلاطتين
صدقة لكم .. سوكة “لوبية” المكتظة بالفتية حين تنصرف البنات
كنا هنا قبلا.. اثنا عشر فتىً .. وصبية
نحرس ذات الثانوية
صدقة لكم.. صوت الدقّ المجلجل في “الحميدية”
كما لو أن خصرا يرق.. أو أكفاً تشقُّ..
درباً للحسين..
لكم..
ولكم رائحةُ “ساروجة “حين تغرق في خبز القرفة
عرباتُ المشاوي تحت جسر الثورة.. والشاي العراقي
بالهيل كما لو أنك في “الدير”
ولكم الأزرق في عيون الست.. ومايفيض بدمع عينيها من حبق
تنثره السنونو في الأفق..
لكم … ولكم ماتضعه سرافيس الحشاشين من اغنيات
ولنا الرحيل
مثل ملوك ال 82
متوَّجين بالصدق.. وخاسرين
على المزابل
رأيت رجالاً يأكلون ويتحدثون الى أنفسهم
رأيت كلاباً وقططَ
لن يوقفها أحدٌ.. فلم لاتغادر؟
آه..
لو فقط.. كان بوسع الكلب أن يقاتل..
عما قليل نغادر..
هذا البلد.. يا ” أهل البلد”
ومعنا البلاد..
هي دمشق اختارتكم لها كما تختار عاهرةٌ زوجَها الشرعيّ
فهنيئا لكم سريرَ معاوية
نحن لانصلح لأن نكون “أمويين”
نحن لنا الأنثى من الآلهات..
فخذوا لله والبلد.. والثورة والحرب والحرية..
والعدالة والقضية
وكل ماركلتموه بينكم وبينكم وفيما بينكم وبينكم
ككرةٍ
نحو كأس شاي ينتظرنا نغادر..
وسجائرَ.. لفْ.
لنا في مكان آخر مخيمات
لامآذنَ فيها
ولاطائرات
حيث يقيم أخوةٌ لنا..لم نَرَهم
لكن عرفناهم ..فيما تناقلته أيامُنا البطيئة العطشى هنا
من حكايات
هناك.. أسفل “جبل الحليب”
يلتقي المنفي بالمنفي.. على ذات التحية
هناك..لنا أخوات.. يصعدن “اقليم الزعتر” …
ويهبِطنَ الى المدقات
ويطبخن أكثر..
برغيفين.. تحسباً للقادمين..
أحتالُ على الحصار..
وبينما أضعُ بجانب القهوة زهرةً من البلاستيك
يسألني حبيبي: لِمَ نأكل العشب يا حبيبتي؟
لأنّا لم نكن خرافا يا حبيبي..لأنّا أردنا الكيك..
وأنصرف لتقشير الصبار
عماقليل نغادر..
دون وداع ..لم يعد لنا هنا أحدٌ
أهلنا ماتوا
ومن ظلَّ منا حيّاً بفضل تسويةْ
..لن يحيا بينكم ثانية
ماكنا لنستكثرَ عليكم الكروسان
ونحن نتقيّأ خبزَ العدس
ونرفع ثلاثَ نجماتٍ حمرَ أطفئَها الملح..
لو ابتسمتم للنادل أكثر.. وهو يحمل لحمنَا النصف مطهوّ
ولا نَقمنا عليكم
ولا اشتهينا شوكولا جنيف
حين قتل اطفالَنا الإسهال..
لو لم تتناولوه على مائدة النضال..
بخمس دولارات امريكية نبتاع حبة شوكولا سويسرية بويسكي داخلها
فمن أين ستحصلون على طعم “الغليسرين” لتقولوا بوقاحة لص
بأنا كنا وإياكم واحداً..؟
لا.. نحن لانقبل حتى.. بأن نكون اثنين
ولاتبادلنا النظر.. مع أعدائنا.حين قرعنا الكأس
قبل القتال..
لنفاوض على ماهو ملك لنا.. بحجة اليأس
الكلُّ او لاشيء
عماقليل نمضي.. محمّلين
بما أعادته الحربُ للفيروز والياسمين..
السخيف من ذاكرة
فتعاركوا ماشئتم بعدنا.. على اسم المجزرة
( تَرّاك )..
أختك أتتني برغيفين.. في صبيحة جمعة
لِمَ على كلّ فاجعةٍ أن تحمل اسمك؟
لم لم تغيره يا أحمد؟
أختك أتتني برغيفين عن روحِك.. وأنا لم أعرف كيف أشعر..
أأبتسم كالرومانسيين.. لأن غيابك أطعمني الخبز؟
أم أبكي لأني ألتهم موتك؟
لم أدرِ ما أفعل.. يا أحمدُ النائمُ كغزالٍ صغيرٍ
في “تربة فلسطين”
سوى أني.. قرأت على روحك الفاتحةْ
عما قليل نغادر..
لامكللين بالغار..
ولا مهزومين بالحديد والنار..
بل بثنائية الشتاء والبزنس
كما تهزم النملةُ الحريصةُ صرصارَ الأغاني..
هزمَنا يهودُ “الغوطة” الملتحون
يهود يلدون وسحمون وبابيلون
في غمرةٍ من الغناء
لذا نغادر.. لا لعلة في صوتنا
أو عطبٍ في نصلنا
بل بحثا عن جيرانَ.. يعرفون..
مغزى العارِ في راية..
ولا يخسرون.. الميزان
عما قليل نغادر هذا المخيم ..
مخيم الفلسطينيين والعراقيين والأكرادَ والحماصنة
وكل منفيي البارحة.. والغدِ
لا آسفين، ولا نادمين..
فهو لم يكن يوماً ديار..
بل سرير انتظار
وحانةٌ العائدين..
وكما يليق بيرموكيين ..
نغادر صوبَ البحر
لا حزانى.. ولا ناقمين
يميل الخارجون من الحرب.. إلى النسيان.
الصورة: بتصرف عن unrwa.org©
تحياتي هيفين
كنت اتمنى لو اكتفيت بهذا (المقطع) ليكون القصيدة:
عمّا قليل ..
نغادر هذا الشتاء الطويل ..
وقد نقصت فصولُنا واحدا..
مانفعُه آذار.. دون بذار؟
مانفعه آذار..
وما زرعناه في وقت متأخر من الشمس..
نتركه لكم..
لتدلّلوه “نبات زينة”.. فلن تجوعوا بعدنا..
قد أطعمناه منا مايكفي ليشعر بالخجل..فلايطرق بابَكم
في وقت باكر من العمر..
لاتُثقلوا خطانا بالأسماء.. لم نكن قرابين
ولم نكن شهداء
كنا مساكين ربما.. وربما مجانين..
اختاروا طريق الذئب
لا لقصر المسافة.. بل ليروا الخرافةَ
زهراً جميلاً على الجانبين.
كل ما تبقى هو شرح
وصدر الشعر يضيق بالشرح
وارجو ان يتسع صدرك لملاحظتي ورأي، فالنص الذي (حددته) بديع بلا أدنى شك ..