حكمة آخر العنقود

لا بد بأنها جميلة، رشيقة وطرية، الفكرة التي ستشغلُ كل تفكيري وأنا جالس في انتظارها.

يسمع الله حديثك معه وهو في الغرفة المجاورة أو في الشقة التي تعلو رأسك، تُكمل حديثك وتكمل انشغالكَ في تحضير صحن الباستا لكليكما.

تنتهي من ترتيب الطاولة ولا ينتهي الحديث، يبدو أن قصة الخلق طويلة جدا أكثر مما تخيلتْ، ليستْ بقِصَر: “بيضتان ضُربتا ببعضهما فوق صحن زجاجي شفاف، اختلط صفارهما وكانت حياة رغيدة يغار منها الزلال ويحاول التغلغل فيها” .

هناك تفاصيل كثيرة، تضع زعتراً أخضر فوق الباستا وتتناسى الملحْ لكي لا يحرجكَ كمال صحن الباستا، وأنتَ على وشك أن تدعو من في الغرفة المجاورة أو من في الشقة التي تعلو رأسك لبدء الوليمة .

تأتيك رائحة تبغ ثقيلة، بطيئة ومحملة بالصبر. لا ترفع نظرك عن صحن الباستا إنما تتوقف عن التفكير فقط لتسمع الصوت يقول: “أنا منشغل بمراقبة بعض النمل، يخرج من خشب الكرسي ويذهب باتجاه الشجرة “.

إذاً الصمت هو الطبق الرئيسي وليس الباستا. كيف تكتب عما سيحدث فيما بعد!

تشعرُ بحرارة الشمس تمرر يدها على سقف غرفتك المصنوع من مادة تشبه القرميد ولكن لها لون الحديد، لربما كانت “توتيا” متحجرة من كثرة التمسيد.

تخيلْ لو أنك تُمرر يدك على رأسِ من تحب من دون كلل أو ملل كان سيهترئ الرأس والحب أيضا، الهدوء والحرارة.

الشقة التي تعلو رأسك سافر أهلها وأخذوها معهم وتركوا أرضيتهم سقفا لك، وتركوا الغيمَ الذي كانوا يتسلون بعدِّهِ كل مساء، قبل أن يغادروا قالوا إن أرادنا سيعرف كيف يلحق بنا ..الغيم يقصدون.

غرفتك يجاورها مطبخ مكوّن من مغسلة تحته زجاجات ماء بلاستيكية، فوقه ما يشبه صندوق البريد فيه أكثر من نوع من البهارات، اضطررت لبيع الغرفة المجاورة لمشتر متجول مر من فوق الشجرة المطلة على نافذتك كان يلاحق النوارس المطلوبة من قبل البحر بكثرة.

عندما فتحت الباب المستلقي على الأرض والمفضي إلى السلم الخشبي لتنزل من الغرفة لم تجد شيئا يتلوه..

مناسبةٌ الآن غرفتك التي لا تجاورها غرفة أخرى ولا يعلو رأسك فيها سوى بعض الغيوم غير المعدودة منذ فترة، راحة كف الشمس المثابرة وبعض النوارس الهاربة من بحر بعيد.

المناسب أكثر أنك تستطيع أن تكسر الصمت وتتناول طبق الباستا من دون أن تقلق من فكرة جميلة، رشيقة وطرية، قد تعكر مزاج ذاكرتك فقط لأنكَ فكرتَ بها منذ قليل. بالنسبة لمن في الغرفة المجاورة أو في الشقة التي تعلو رأسك..

فهو يدير ظهره لكل شيء بعد أن يخلقه، لن يأتي.