انتشرَ على صفحات موقع الـ“فيسبوك“ التّعبير عن الرّأي الحر مثلما انتشر الادّعاء، الحقيقة والكذب، الحبّ والكراهية، الأقنعة والوجوه السّافرة، الأسماء المستعارة والثلاثيّة، الإشادة والسّخرية. الفيسبوك هو الواقع بحذافيره، ومن يعتقد غير ذلك يكون واهمًا.
ورغم الثّورات والحروب والقيامة التي نشهدها الآن خرجت العواطف والمشاعر والآراء للنور وما يوارب منها أصبح مفضوحًا.
صار البعض يضع قائمة من الممنوعات والمسموحات على الفيسبوك. لفت نظري منها عبارة تقول:
شكرًا لمن يُحبّ زوجته ويغازلها يوميًا دون أن يُعلِم كل من عنده على مواقع التّواصل بأنّه يُحبّها!.
يُنسب المُقتطف للشّيخ راتب النابلسي من مقالٍ بعنوان كفانا تعريًّا. وتناقلَ النّص كالعادة العديد من النّاس مع إغفال ذكر المصدر، المؤمنون والملحدون، المتدينون واللادينيون.
ولمناقشة هذه العبارة وماوراءها لا بد أن نتحدث عن الحب،
الحب طاقة، حريرات، حرق، هرمونات، بناء، تحفيز، واستعار، فورة وثورة وخلق وإبداع. تخيلوا أن يصبح كل ذلك سنة حياة. ينتشر بالعدوى ويتأصّل بمرور الزمن.
استغرب أن نُعجب جميعًا بقصيدة كتبها شاعر لامرأةٍ مجهولة، ربما تكون حبًّا أو علاقة عابرة.
بكلّ مافي القصيدة من كذب ومبالغات ومشاعر آنية، ثم نمنع أقرب الناس عن التّمتع بهذه المشاعر علانيّة. أقصد أن الحبّ يفيض في البدايات حاملًا جرأة البداية واندفاعها ثم عندما يتحقّق يصبح مُخجِلًا وعليك مواراته خلف الأصول والقواعد المُجتمعيّة.
تارة خوفًا من الحسد والسّخرية وضيق العين، وطورًا حتى لا تبدو مهروقًا وعاطفيًا، وغالبًا لأن تحقق الحب بالارتباط يجعله يدخل في إطار العاديّ والأملاك الخاصة التي تقتل الألفة لهفته وتجعله من اليوميات الواجبة وليس من المخفيّات المحفزّة. حتى أكثر الناس قدرة على التعبير يُصابون بحالة من الكفّ عن التّعبير عن الحب، انجرافًا واستجابة لرغبة المُجتمع في رفض هذا النوع من الانفتاح والتحرّر بين الأزواج، حالة غير مفهومة من المنع القسريّ للعواطف الجّميلة من التسرب علانيّة للنور.
ويتساءلون لماذا يتسلّل العفن إلى البيوت، وتنهش رطوبة أقبية الصّمت أجمل العلاقات!
عيد الحب ليس مناسبةً للسّخرية من الدّباديب الحمراء والأزهار والمشاعر. من أدرَج عيد الحب كان يعرفُ جيدًا أنّ الحياة العصريّة السّريعة الطّاحنة المُملّة تهرس القلوب، وأعتقد أنه كان واعيًا لحاجة البشر سنويًا لهزّة صحوة للدواخل التي قد تستسلم للموات بعد اللهاث اليوميّ. كان واعيًا مثل من ابتدَع عيد الأمّ وعيد الشّكر ويوم اللاعنف، أحيانًا نحتاج فرصةً للاحتفال والاحتفاء فإن لم نتذكّر ننسى ونختفي.
وإجابةً على تساؤل: وماذا يفعل من ليس لديه حبيب في عيد الحب؟
تمّت توسعة الرؤية وقيل بأن عيد الحبّ ليس فقط للعشّاق، تستطيع أن تهدي الأصدقاء والأهل والمعارف المقرّبين شيئًا ما، عليك فقط أن تفتح قلبك ومشاعرك على مصراعيها لتهوية الرّوح وإدخال نسائم منعشة للعزلة والانغلاق. لذلك كان الدبّ السّمين اللطيف الحميم رمزًا للعناق والأمان. إنه لعبة أطفال وكلّنا أغرار في هذه المساحة (الطفولة) التي مرّت سريعًا باحتياجاتها، ناقصة وغير مشبعة.
منذ أن بدأت الثّورات فارت الناس وهاجت تبحث عن علاقاتٍ توازي ذلك التغيير الهائل والانفجار الكونيّ الذي ضرب حياتها. حطّمت قضبان الأقفاص الذهبيّة وانطلقت تبحث عن الحب. امتلأت الرّسائل الخاصة بالمشاعر الفيّاضة، كيفما اتفق، مثلما امتلأت السجون، وانتهت بالموت تحت التعذيب.
علاقات جنسيّة تصادمية افترشت ظهر الثورة والوطن، علاقات محكومة باليأس وأخرى وضعت أملًا بالعاطفة عن بعد أكبر بكثير من قدرتها على الاستمرار في محاربة المسافة والزمن المطاط والخيبات المتتالية.
الاستثناءات الجيدة أيضًا فرضت نفسها، زيجات من طوائف مختلفة كانت بحد ذاتها ثورة. كل ما فُرِض على البشر في لحظات الاستكانة للسّائد وزمن الخوف قام الذين تحلوا بالشجاعة بالتخلّص منه ما أن سنحت لهم الفرصة. يندرج تحت ذات العنوان مثلًا خلع الحجاب (مع احترامي لمن تمسّكوا به كطريقة حياة وحرية) وحالات الطلاق التي حدثت ما أن وطأت الأقدام أوروبا (مع خالص التقدير والإعجاب لمن تشبثوا ببعضهم بقوة بعد أن غرقت السفينة).
لا تدعوا أي فكرة سائدة تمنعكم من الحب. عرِّضوه للمحنة واختبروه. مثلما يرمي الأسكيمو المواليد الجدد في البحر المُتجمّد، فلا يبقى إلا الرّضيع القويّ القادر على العيش. حصّن نفسك بالحب وتباهى به بقوة، وحين ينتهي لا تجزع. لكنك لن تندم أنك قدمت له كل ما استطعت وقدم لك كل ما قدر عليه.
لا تستهينوا بقلوبِ شركائكم وما فيها. المسافة والبعد ليست حجّة. فما تحقق بالوصال وانتهى لا يعول عليه، ألا تقتطفون هذه العبارة على صفحاتكم؟ انقلوها من مرحلة الاقتباس لامتحان التطبيق.
لا تكتب عن النساء كافة وعن شهواتك المنفلتة. هذا ليس حرية ولا فشة خلق ولا نكتة مهضومة، تجمع بها اللايكات الملولة وإعجابات الشامتين، بقدر ماهو استهتار وقح بمشاعر امرأة تنتظر منك التفاتة مشابهة وهي معلقة بخطافك. جرب أن تعطيها بعضًا مما تغدقه وسيعود عليك أضعافًا منها.
دافع بكامل رجولتك عن حبيبتك وحبّك، ودافعي بكامل أنوثتك عن حبيبك وحبّك. وكن جريئًا في الحبّ أكثر مما تكون جريئًا في الخصام. واستمتع بهذه النعمة.
الحب إلهيّ القدرة، تذكر أنه جعلك ترى نفسك أجمل، وساعدك لتحتمل وحفزك لتنجز وانتشلك حين غرقت. لا ترفسه مثل لحافك أثناء الكابوس حين يبدو أنك لم تكن بقوّته أو حين يهن تحت مطرقة الغضب وسندان الألم فتبخل عليه بالصبر والحنان.
غاروا من كل ما يمكن أن يهدّد مساحتكم الآمنة، اعملوا على أن تكونوا الأجمل دومًا في عيون من تحبّون، حافظوا على أجسادكم فتيّة وصحيّة وعلى أناقتكم حتّى في البيت أو على سكايب. طيروا حول لهب بعضكم كالفراشات، اسرجوا الخيال وكأنّكم قصائد شعر حتى يكون نسيانكم صعبًا والمقارنة بينكم وبين آخرين تنتصر لصالحكم.
ابتكروا المفاجآت واستمتعوا بدموع الفرح وابتسامات الدهشة، أضحكوا بعضكم حتى ينتفض القلب من السعادة.
اكتبوا عن حبكم ودعوا هذه العدوى تسري بين الناس، فقد أثبتت محنتنا أننا نحتاج إلى الحبّ ولا شيء سواه، ومن المستحيل أن يمتلئ قلبك بتلك العاطفة ثم تنهر سائلًا أو محرومًا أو تسخر من نواقص الآخرين وأحزانهم.
لاتسقي البعيد وتمنع القريب، ثم تتذمر من ذبول النباتات التي تزين شرفتك.
حافظوا على الصداقة في الحب، وأنصتوا لعلكم ترحمون.
وإذا قطعتم وعودا فتحلّوا بالشجاعة للوفاء بها، فكما تكونوا يولّى عليكم.
تقدموا إلى الساحة كعشاق وحاربوا كفرسان وانسحبوا بسلام الأقوياء.
شكراً لمن يُحبّ زوجته ويغازلها يوميًا في البيت ويفاجئها بحبّه من حين لآخر على مواقع التواصل الاجتماعي ليشدّ قلبها ويفرح أنوثتها ويتوّجها ملكة في مملكة رجولته. أنت صح يا أخي أنت المختلف في النور فلا تهتم لكل أولئك الذي يريدونك أن تنضم للقطيع المستور بالتقليدي، هنيئا لك عريك الشجاع الجميل.
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.