وفي زحمة العمل وحين تثقل الروح من رزح الحديث عن أمراض الروح و الجسد، أمنحها استراحة خاطفة مسروقة من جدول العمل بأن أفتح الستارة الداكنه ، و أطلق ناظريّ عبر النافذة الرابضة على كتف الشارع، أتأمل العابرين المتلعثمين في خطاهم ، الغائبين خلف ملامحهم المبهمة…
من بين أفكاري حينها كانت واحدةٌ تظل تفرك ذهني بلجاجتها:
ماذا لو قابلت عيناي كل يوم وجوها مختلفة؟!خليطا جميلا يمور كلوحة فسيحة ملونة لوجوه بيضاء و سمراء و صفراء و سوداء ؟!
أتخيل لو تصير مدينتي مسكنا آمنا لبشرٍ من جميع القارات ؛فتغنى بتنوع قاطنيها ،و تنهل من طرائق حياتهم بدلاً من أن تظل نسخا مكرورة من وجوه عابسه و أكتاف متهدله و خطوات كسيرة يكاد لا يجمع بينها سوى المعاناة ؛تماماًكما تتشابه وجوه هؤلاء المنتظرات في العياده ، اللواتي ولدن و عشن على امتداد هذه الأرض الجبلية :باستثناء فارق بسيط :أنّ بعضهن يرفلن بالسواد و يخفين نصف الوجه خلف المنديل الأبيض ،و أخريات بلا غطاء رأس أو بثياب بلا أكمام .أما همومهن هنا فتكاد تصب جميعها في ساقية الصحة و الإنجاب.
منذ شهور تغير المشهد!
صارت تحتل أكثر من نصف مقاعد الانتظار نساء يرتدين الشيلة و العباية الحورانية، و الجلباب الإدلبي، و الحجاب الحمصي، و الثوب الديري، والحرام البدوي ،و .. و ..
ترى هل حضرت أمنيتي معطوبة؟!
تمنيت لو أن هؤلاء النسوة أتين إلى مدينتنا سائحات!
أو لو أنهن اخترن السكنى فيها متعللات بهوائها النقي، أو للعمل فيها ،أو لمجرد تغيير في حيواتهن!
لكنهن التجأن إليها مذعورات حين في ليلة ليلاء أعماهن الدويّ فذهلن ونسين لملمة ما خف حمله و غلا ثمنه…..حملن غريزة الحياة و صغارهن وهربن إلى جبلنا الذي لم تطله في الظاهر يد الخراب…و حملن أيضا أجنتهن المتكورة في أحشائهن لعلهن يحمينها هي الأخرى من موت قسري قبل أن ترى النور!
هؤلاء المختلفات في الزي مختلفات في الهموم أيضا!
تتراجع الصحة و الإنجاب الآمن من أولوياتهن إلى المقام الأخير!
فقبل طرح تلك الأسئلة الفائضة التي تطرحها النساء يحرصن أولاً أن يصرحن بأسماء زائفة
و أن يختلقن حكايات يؤكدن فيها أنهن يعشن في ربوعنا منذ سنوات ؛و لم يجئن في الشهور القليلة الفائته ،كي ينجون من الملاحقة فيما لو تبين فيما بعد أنني مخبرةٌ مثلاً !
أن يسألن عن تلافي مخاطر الولادة في ملاجئهن السرية حين لن يستطعن الولادة في المشافي التي تطلب إثبات الهويه!
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.