كنا في العمل مع شركة أبحاث. يومها المدير الإقليمي جورج من مصر يتلفن إلى شركة السفريات أريد أي طيارة لأي مكان المهم أن أخرج من هنا.
أيمن مدير المشروع قال : لقد اكلنا خرا طار المشروع مالاقى يموت غير اليوم!
وثلاثة شباب جامعيون تسمّروا بوجوه تعتصر حامض الليمون.
زميلتان أنخرطتا في موجة بكاء هستيري وأنا أنتظر صديقي الكردي لينتهي من مقابلته فهو الموثوق الوحيد لأعلن له فرحي.
قال صديقي الكردي وأنا أبلغه إن حافظ أسد مات.. بعد أن أخذ شهقين متواصلين ..
أنت متأكد .. قلت له أذاع التلفزيون السوري الخبر ( أتخيل اليوم لو لم يذع التلفزيون السوري خبر موته كان مازال موجودا والبعض يستخف بإعلام النظام )
صرخ وتعانقنا فرحا
قال لي إهدأ .. لقد جاءت “اللحظة التاريخة.” نعم قالها صديقي الكردي حرفيا
أنفجرت ضاحكا على جديته المباغتة قالها قبل عشر أعوام من التونسي الذي هرم بانتظارها
لم يعرف عن شعوب بقضها وقضيضها كل ما تنتظره هو شغف لقاء لحظة واحدة حقيقية بكامل زينتها .
لحظة واحدة تفتح لنا البوابة فنعود للتاريخ.
ذهب صديقي الكردي إلى ” زور آفا ” حي الرز ” لينتظرها هناك ..
وحملت نفسي راكضا في شوارع الشام أبحث هذه الملعونة الملغومة التي تسمى لحظة تاريخية.. من البرامكة إلى تحت جسر الحرية ” الرئيس سابقا ” بمحاذاة النهر المجفف ماشيا بعينين تحومان في كل الاتجاهات تلتقط أي صورة أدنى حركة وأذنين تنصتان السمع لأي نأمة شاردة أو إشارة عابرة لأي كركبة لأي أحتفالية تليق بقدوم اللحظة التاريخية . وصلت إلى العباسيين عبرت سرافيس المهاجرين إلى أواخر المزة.. مندفعا إلى الجديّدة .. ( كتبت على باب صديقي الأصفر .. أتيت ولم أجدك ” وعدت إلى كفر سوسة.
تفقدت الشام لم تذهب معه، بقيت صامتة متجهمة بضحكات تهتز من خلف الجدران بخوف بارد ينتظر جملة واحدة أو صرخة واحدة كانت الشام واقفة على ” كف “
يومها لم تتعب قدماي كنت أبحث عنها تلك اللحظة الملعونة، عدت لم أترك قرنة أو حارة من جرمانا إلى دويلعة، من مشروع دمر إلى قدسيا .. خيم الليل ولم تأت، شربت أكثر من عشرة فناجين قهوة دون أن أجرؤ على الرفض.
أشترينا لترين أو ثلاثة من مغيبات اللحظات التاريخية ..وانخرطنا في غياب طال طويلا وحين أفقنا كان كل شيء انتهى وسمعنا شاب مديد القامة في خطاب القسم يعد بربيع يتفتح خيرا .
رحلنا نحن الخريجين الجدد إلى صقيع الأرض واصقاعها. بعد ذلك بعامين أنتحر الربيع الموعود .وخرجنا نقتفي أثر الرمل في البلاد البعيدة ..
اليوم نحن المتهمين إننا في الخارج، إننا في آمان إننا نمارس حياتنا وننضر على من في الداخل إننا عملاء مرتهنين لدولارات الفتنة. كل هذه الصفات المتقيحة التي تليق بمن هم في الخارج .
.. نعترف بأننا كنا جبناء أحتسينا القهوة ولم نجرؤ عن قول تلك التعويذة التي فتحت كوة نور في صدر الصخر الجاثم على بلدنا .. ” الشعب السوري ما بينذل “
أتخيل اليوم صديقي الكردي يجلس في ركن الدين أو على سطح بيت في” زور أفا ” .. يغني لجوان حاجو وشيفان وفقيه طيراه. على طنبورته ويستدعي اللحظة .. اللحظة التاريخية ما غيرها المليئة بالشوك القادمة دون شك.
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.