الصفحة الرئيسية / نصوص / نثريات / مقولة “الحرب الأهلية” في سوريا

مقولة “الحرب الأهلية” في سوريا

.

.

.

.

فارس البحرة

١٨ حزيران، ٢٠١٢

.

مقولة “الحرب الأهلية” في سورية تريد اختزال النظام بالصبغة الطائفية التي تغلب على رأس هرمه وعلى كبار متنفذي أجهزة الجيش والمخابرات فيه. وكأن النظام لا علة أخرى فيه، أو أن من يثورون عليه هم (بلا شك) ليسوا أفضل منه، ولا يعترضون إلا على الانتماءات الطائفية لشخوصه.

 فتسمية الحرب الأهلية تهدف إلى تمييع الجانب السياسي من الثورة ورد الحراك إلى أسباب أهلية ثقافوية. فالقائلون بالحرب الأهلية ينطلقون من مسلمة مضمرة: هذه الشعوب لا سياسة فيها ولا حاجات سياسية، وما قيام أجهزة دولة ومؤسسات فيها إلا تقليداً شكلانياً للغرب، فلا تعدو هذه الأجهزة أن تكون غير ذرائع تمرّر العلاقات الأهلية والعشائرية من خلالها.

تلك رؤية حافظ الأسد لسورية وقد تعلمها من النظرة الاستعمارية الفرنسية وأعاد تصديرها عبر سياساته الخارجية بعد أن لقحها بفهمه الطائفي الممزوج بأحقاده الشخصية ولؤم طبعه الفريد.

وقد تبدو هذه الرؤية واسمة للحال الراهن في سوريا، فيما لو انطلقنا من قراءة برانية تعتمد الجوهر الثقافي الثابت مرجعاً؛ قراءة لا تؤمن بحاجات بشرية عابرة للثقافات، وبالتالي يستحيل عليها أن تتخيل البعد الدياليكتيكي للثورة، حيث أن غياب مفاهيم الدولة والمؤسسات الحقيقية والعجز والحاجة المجتمعيان المترتبان عن ذلك أهم أسباب الثورة.

الثورة السورية قامت ضد تقزيم الانسان واحتقاره، ضد مسلك قديم تجاه انسان المنطقة تتجاوز جذوره البعث والأسد راجعة إلى عهود الإقطاع والفرنسيين والعثمانيين وربما تضرب في عهود أقدم.

تشربت الثورة السورية قيماً نادى بها البعثيون وقبلهم الوطنيون والفرنسيون أنفسهم ونادى بما هو ليس ببعيد عنها العثمانيون في آخر عهدهم. قيم الدولة الحديثة، القانونية والمدنية. عاش الانسان السوري هذه القيم نظرياً فحسب، تعلمها في المدارس، وحفظها عبر وسائل الإعلام، أما الممارسة فكانت على العكس تماماً. منظومة القيم هذه هي حفارة قبر النظام مثلما كانت قيم الثورة الفرنسية سابقاً حفارة قبر الاستعمار الفرنسي، وهي تشكل حاضنة وعي الثوار يتجاوزون بالاستناد إليها وبرشاقة غريزية، الفخاخ التي ينصبها النظام وأنظمة العالم المشبعة بالنظرة الاستشراقية التي لا تتخيل أن بإمكاننا أن نعي أنفسنا إلا طوائف وعشائر.

 

عن دحنون

دحنون
منصة تشاركية تعنى بالكتابة والفنون البصرية والناس.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.