الجيش الحر مازال بدون تعريف واضح محدد المعالم حتى الآن، يحيل إلى “مجاميع” من المسلحين، منها ما يلتزم بأهداف الثورة ومحدادتها وأبرزهم الجنود المنشقون، ومنها من لديه “أجندة” خاصة يعمل لها ومن أجلها بما فيها “عصابات طلب الفدية” وبما فيها مجاميع أسسها النظام أو اخترقها لتشويه صورة الثورة. وبدون تحديد واضح المعالم ورسم هيكلية له، سنبقى بحالة من التخبط، ويظل أي أقتراب أو نقد “لهذا المسمى” يمكن أن يجر على المعارضين تشبيحا لفظيا. صار يتعداه إلى التشبيح الجسماني، وليس انتهاء إلى أصدار أحكام قاطعة وتنظيم قوائم، تطلق هنا وهناك، تحت عنوان مثير غريب ومضحك أحيانا: “مطلوب للجيش الحر” باحثون مستقلون قدروا نسبة المنشقين من الجيش النظامي حتى اليوم بـ 2 بالمئة، أي لا تزيد أعدادهم عن 15 ألف جندي وضابط تركوا الجيش النظامي وكافة التشكيلات شبه العسكرية وانضموا إلى كتائب معنونة بعنوان عريض إسمه: “الجيش الحر”. ولنأخذ بعين الاعتبار ما تعارف عليه خبراء عسكريون، إن الجيوش تتفكك أو تنهار أو تحدث انقلابا جذريا حين تصل نسبة الانشقاقات 15 بالمئة من تشكيلاتها المتنوعة. الاحصاءات الباردة بنسبة هامش للخطأ بين 3 -5 بالمئة. تقول: إن الجيش النظامي السوري، يفر منه سنويا، أربع إلى خمسة آلاف جندي في السنوات العادية بهذه السنة الاستثنائية تضاعف العدد ولكن كثير من هؤلاء لم ينضموا إلى التشكيلات أو الكتائب المقاتلة في الجيش الحر.
نسبة العسكريين في كتائب الجيش الحر لا تتعدى، 20 بالمئة من حجم من حمل السلاح وانخرط في العمل العسكري. نحن الآن أمام رقم تقريبي يقول: إن عدد المقاتلين اليوم الذين يحملون السلاح، يتراوح بين 75-80 ألف مسلح مقاتل” يعملون تحت عنوان عريض اسمه الجيش الحر”.
يمكن ملاحظة إن شباب الجيش الحر من العسكريين الذي عملوا ما يشبه معجزة حقيقة بالانشقاق عن الجيش، وإعلان الانحياز العلني الموثق إلى صفوف الشعب والدفاع عنه، واثبتوا خلال الأشهر الماضية أنهم من لدن الناس وأحلامهم وأوجاعهم وضربوا أمثلة أخلاقية وإنسانية فذة. هؤلاء هم حقيقةً الجيش الحر. عقيدتهم وطنية وإيمانهم بشعبهم وعدالة الثورة وقيمها الأخلاقية هو المحرك الأول والأخير لهم . كما أن بروز مظهر ديني هنا أو هناك أو انخراطهم في كتائب تحمل مسميات ذات مرجعية إسلامية لايؤثر على دورهم الذي يعرفه الكثيرون ممن خبروهم.
- المشكلة ليست في التسميات أو في انخراط مدنيين في صفوف الجيش الحر، فهذا حدث عبر التاريخ عند انطلاق ” المقاومة الشعبية”، وليست المشكلة أيضاً في وجود “عصابات جنائية”، أو حتى “عصابات تتبع النظام” تحت يافطة الجيش الحر، بل في غياب الضبط والمرجعية والقيادة الفاعلة لدى الجيش الحر. وهو ما يسهل فرز الحابل عن النابل وتنقية الجيش الحر من الشوائب التي لحقت به أو ألحقت نفسها به.
- هذا يتطلب عملاً واسعاً، وأول هذا العمل، كتابة ميثاق شرف للعمل العسكري داخل صفوف الجيش الحر، يكون بمثابة البوصلة لكل “المقاتلين” في صفوفه. ومن ضمن الإمكانات المتاحة أن يكون هناك مركز إعلامي، إن لم يكن مركزاً عسكرياً، في كل المدن والمناطق التي يتواجد فيها الجيش الحر لرصد هذه الظواهر وتوثيقها ومن ثم يصار إلى معالجتها لاحقا. وأيضا عليه بسرعة أن يكون المرجعية لأي كتيبة تعلن تأسيس نفسها. فإذا لم يعط الجيش الحر تصريحا بأن هذه الكتيبة تابعة له فعليا، لا تعطى الشرعية الثورية ولا الشرعية الأخلاقية. ولا تعامل من قبل الجيش الحر ومن قبل حاضنته على أنها منتسبة له. ولا تعطى هذه الشرعية دون دراسة “وضع” قائد الكتيبة وحتى عناصره إن أمكن.
ومن ضمن عمليات الضبط رفع الشرعية عن حالات القتل التي تجري خارج “ساحات المواجهة” فمن الضروري أن يكون للجيش الحر في كل منطقة “مرجعية قضائية” تتكون حصرا من ضباط أو ضباط صف منشقين بمرجعيات حقوقية دارسين للحقوق أو مطلعين ، تعاقب الخارجين عن ميثاق الجيش الحر ومحددات عمله..
ظواهر تحت اسم الجيش الحر.
[1]- كاميرا مصوبة من الأسفل على نافذة في الطابق الثالث، صوت حامل الكاميرا يؤكد أن مجموعة من أحرار النبك تقوم بعملها لمعاقبة “جاسوس للأمن”. لحظات يعلو الصراخ الهستيري والرجاء والتوسل من دون جدوى. يظهر جسد “الجاسوس” [العوايني] من النافذة، متشبثا بكل ما لديه. قوة الحكم المبرم تدفع بجسد الرجل إلى أسفل ومن ثم يتم رميه ساقطا من الأعلى. من الجيد أن الكاميرا لم تذهب لمعاينة “الجاسوس” وكيف لفظ أنفاسه الأخيرة [2]- في توضيح مرافق لمقطع فيديو رفع على اليوتيوب بتاريخ [ 27/06/2012] مانصه [ “كتيبة شهداء حلب للمهام الخاصة” قامت بقتل الشبيح سميح علي رقية. المعروف بإجرامه في مدينة حلب وهو من الطائفة العلوية والى كل شبيح لن يكون مصيركم إلا القتل والسحل أيها القتلة الخونة..]نحن الآن أمام حالات قد تكون مبررة من قبل الكثيرين من “داعمي الثورة” وأصلا قبل هذه الحوادث تورط بعض الناشطين المدنين والسلميين، بفتاوى، بقتل “الجواسيس”. لنجد أن الانخراط في العنف سواء كان تبريراً أو ممارسة قد تصاعد ووصل إلى مراحل متقدمة. وفي ظل هذا، يتم تجاهل أن أحد أسباب هذه الثورة هو قتل الناس وخطفهم وتغييبهم في السجون من دون محاكمات عادلة.
الفيديو الثاني أو الجريمة الثانية: تحتوي على شهادة من صديق للقتيل تقول عكس ما حاول قتلته إدعاءه والترويج له. إذ يقول صديقه في رسالة أرسلها لأحد النشطاء ما نصه [الشخص الذي تظهر جثته في الفيديو هو الدكتور سمير علي رقية من مدينة بانياس من الطائفة العلوية يحمل شهادة الدكتوراه في هندسة الطيران من جامعة تولوز في فرنسا.. أعرفه معرفة شخصية فهو صديق لي (…) من خيرة شباب بانياس خلقا وعلما وأدبا (…) وكل أهالي بانياس يشهدون بذلك وأطلب من أصدقائي البانياسية على الصفحة أن يدلو بشهادتهم بخصوصه…] ويطالب صديقه المنخرط في الثورة [ الجيش الحر أن يتحقق من حقيقة الكتيبة أو الجماعة التي قامت بتصفيته فلربما تكون مدسوسة على الجيش الحر أو تكون مجموعة من الزعران ادعوا ذلك. وإذا كانت حقاً من الجيش الحر أطالب قيادة الجيش الحر بمحاكمة المجرمين قتلة الدكتور سمير وإنزال بهم ما يستحقون من عقاب…]
كيف يمكن التعامل مع ظواهر كهذه آخذة في التمدد والاتساع؟
هناك تبرير لجرائم فظيعة بحجة الجرائم الأفظع التي ارتكبها ويرتكبها النظام. والأنكى أن علينا أن نقبل ولا ننتقد هذا العمل، بحجة أن المقتول جاسوس أو شبيح. سلّم بذلك الكثير ممن هم في صفوف الثورة. وبإن الثوار فوق النقد نظراً لهمجية النظام!!
هنا نحن على محك أخلاقي وإنساني، حين تصل الضحية إلى مرحلة الامتلاء بالانتقام تكون قد أصبحت مشابهة تماما للجلاد وربما تفوقه أحيانا.
ماذا لو اكتشفنا لاحقاً – كما في حالة سمير رقية – أن الأمر هو تصفية حسابات شخصية أو أنهم مجرد فرقة ترويع أو كتيبة قتل مضادة نشأت بفعل القتل المنهجي الثابت؟ ماذا لو اكتشفنا أنهم يستخدمون الثورة لمصالح ضيقة؟ ماذا لو كان النظام هو من يقوم بهذه الممارسات لترويع الناس وتخويفهم على مستقبلهم في حال انهياره؟
هذا السؤال الذي لا يريدُ أحدٌ من قادة الثورة الميدانيين أو “التنسيقيات” أو “مجالس قيادات الثورة” أو الناطقين الإعلاميين للفصائل المختلفة ؟ الوقوف عنده. هل فعلا هؤلاء “القتلة” من الجيش الحر؟؟
هذه الفيديوهات التي توثق عمليات إجرام، وتنفيذ حكمٍ من دون أي آلية قانونية أو حتى شرعية، وإشهاره بهذه الصورة المرعبة، ماذا حقق ولمن؟ هناك ألف سؤال وسؤال توجه في معاينة حالة كهذه. كلها تودي إلى حقيقة علينا مواجهتها؛ هل هذا من رحم الثورة التي نؤمن بها واستشهد من أجلها الآلاف ومازالوا يستشهدون. ؟
سنكون حاسمين باتجاه أنفسنا وثورتنا وبدون أي مثالية زائدة. كل من وجد لهذا العمليات المقززة عذراً فليعرف أن النظام وعصاباته، قد تمكّنت من انتهاكه وهو في طور التحول إلى شبيهٍ لمن ثار عليه. المذؤوب يمص دم الضحية، ويحولها إلى مذؤوبة أقرب إليه .
والجدير ذكره أن هذه الحالات باتت أفعالاً تتكرر أسبوعيا وأحيانا أكثر من مرة في الأسبوع في كل الأماكن التي فقد النظام بها السيطرة الجزئية أو على هوامش المناطق التي فقد فيها السيطرة الكليّة، حيث أصبحت عمل عصابات جنائية مختصة بالقتل والخطف لا تمت إلى الثورة بصلة، وقد يكون بعضها مرتبطاً بالنظام ولكنها تستخدم عنوان “الجيش الحر” أو تحت تبريرات سوء الفهم والحوادث الفردية التي أضحت أقرب إلى “الظواهر”
لماذا أصبح سوء الفهم “مصلحة عليا” كيف يمكن تفكيك هذه العبوة الناسفة للسوريين؟
مطلوب اليوم من الجيش السوري الحر أكثر من قدرته ربما، ولكنه يبقى مسؤولاً عن محيطه الحيوي وأيضا عن الكتلة البشرية الداعمة له والحاضنة والمؤمنة به. مطلوب منه أن يرتقي ليصبح” الجيش الوطني الحر” ويعمل على حماية الأخلاقيات الأساسية التي وجد من أجلها. وعلى كل فصائل الثورة أن تتجرأ وتدعم معنويا مسمى الجيش السوري الحر، وتفكك ما علق به وتفضح من يستغله، وأيضا تدخل إلى صلب الوعي المعطوب بالعنف ومساعدته أن لا يشبه قاتله.
دعوة لتبني الجيش الحر نفسيا حتى من الناشطين المعارضين للعنف بكل أشكاله ومعنوياً ومادياً من قبل الجميع هو ما سوف يساعده للتخلص من الكثير مما علق به. وتقوية وسائل الاتصال به والإعلام عنه، ليكون هو المرجعية الأولى والأخيرة للإخبار عن كل عملية بشفافية ومصداقية ينتهجها المتحدثون باسمه.
الجيش الوطني الحر هو ضامن المستقبل، مثلما هو أحد المشاركين الاساسين بصناعة الحاضر.
يجب عليك تسجيل الدخول لاضافة تعليق.